أزمة الغذاء في سوريا: سقوط الاحتياطي القياسي وتفاقم الجوع بين ديسمبر 2024 ويونيو 2025

شهدت سوريا منذ ٨ كانون الأول 2024 فصلا جديدا من العنف السياسي، شمل الإطاحة بالحكم القائم، وهذا ما وصفه نائب مدير برنامج الأغذية العالمي (WFP) كارل سكوا بأنه “أزمة ثلاثية”؛ ضربت القدرة على إنتاج الغذاء، وأسواق الدواجن والمحروقات، وأسهمت بتفاقم الانعدام الغذائي لأكثر من 9.1 مليون سوري .

إلى جانب ذلك، رصدت تقارير مشتركة للأمم المتحدة (FAO-WFP) أن حوالي 57% من السكان أي 7.7 مليون شخص يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي وفق التصنيف  IPC (Phase 3)أو أكثر، أي أن سوريا بالمرحلة الثالثة من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي ( (IPCوالمعروفة بـمرحلة الأزمة (Crisis)، حيث رُصِدَ 14.56 مليون شخص (أي نحو 80% من السكان المحتاجين) لا يزالون يعانون الفقر الغذائي أو في حالات إنذار متقدمة .

قراءة المؤشرات الكمية

لفهم الوضع الغذائي في سوريا بشكل شامل، يمكن تتبع مجموعة من المؤشرات المترابطة التي تشمل:

  1. تجربة انعدام الأمن الغذائي  (FIES)

رغم محدودية الوصول إلى الاستبيانات المنزلية (FIES ) في سوريا، لكن تقارير البرامج الأممية توفر لمحة واضحة، حيث تشير تقديرات WFP وFAO  إلى أن 12.4 مليون شخص، أي ما يقارب 60 % من سكان البلاد، يعيشون في حالة انعدام غذائي متوسطة إلى شديدة خلال أوائل 2025.

هذا الرقم يتجاوز نصف السكان، ويشير تقرير شبكة معلومات الأمن الغذائي إلى أنّ حوالي 14.56 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفيهم 9.1 مليون شخص يواجهون انعداما غذائيا حادا، ويمكننا القول بثقة أن ما يقارب 50–60% من الأسر السورية تواجه صعوبات مؤثرة في توفير الغذاء، مع مستويات تمثّل ضغوطاً عالية لحد الجوع، وهو ما يعكس أنه ما بين 6 و9 ملايين شخص يعيشون ظروفا غذائية حرجة حسب تصنيف FIES.

  • مؤشرات الفاو–WFP (Hunger Hotspots)

وفق أحدث تقرير نصف سنوي من FAO–WFP بعنوان:

“Hunger Hotspots: Early Warnings on Acute Food Insecurity ” (تشرين الأول 2024 – أيار 2025)، تم تصنيف سوريا ضمن “نقاط الجوع ذات الأولوية العالية” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث وضعت سوريا ضمن 13 دولة تُواجه تدهورا حادا في الأمن الغذائي خلال فترة التقرير، كما يشير إلى أن سوريا تحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ إذ يقدر عددهم بـ 14.56 مليون شخص، بمن فيهم 9.1 مليون يعانون انعداما شديدا في الأمن الغذائي.

هذا التصنيف المبكر يعني أن موسم الحصاد الحالي ينذر بفشل إمدادات غذائية وشيك، خاصة مع معطيات تشير إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وارتفاع التقلبات في الأسعار، وتعطل سلاسل التوريد، كما أن ما يقارب 22.6% من السكان السوريين يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو أعلى، ما يعكس أزمة إنسانية ملموسة تتجاوز مجرد الفقر وتصل إلى حافة المجاعة.

  • الهزال الغذائي الحاد (GAM)

يُراقب FAO-WFP مستويات هزال الأطفال بشكل دوري، وأعلنت كلتا الوكالتين أن نسبة الهزال عند الأطفال السوريين دون خمس سنوات تجاوزت عتبات الطوارئ وهو مؤشر يشير إلى فقدان القدرة على الغذاء الكافي والتنوع الغذائي.

  • أسعار الأغذية والتقلبات

ارتفعت تكلفة الغذاء بنسبة كبيرة بعد كانون الأول 2024، مع نشاط المضاربات في الأسواق وشح الوقود، وتقرير أيار 2025 أكد أن:

  • الأسعار المحلية للقمح والمنتجات الزراعية ارتفعت بأكثر من 40% مقارنة بالعام السابق .
  • تكلفة الغذاء الغذائي الأساسي ارتفعت 3 أضعاف مقارنة بثلاث سنوات سابقة، ما جعل الحد الأدنى من الأجور يكفي للحياة الغذائية فقط بنسبة 20%.
  • ورقة التوازن الغذائي (Food Balance Sheet)

وفق بيانات FAO لعام 2025:

  • إنتاج الحبوب عام 2025 بلغ حوالي 3.4 مليون طن، بانخفاض حوالي 13% عن متوسط السنوات الخمس الماضية.
  • التخفيضات المستمرة في الدعم الزراعي والأزمات اللوجستية تسبّب نقصا في الغذاء المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد.

تحليل السلوك والتأثير والعواقب

  • التوفر المحلي مقابل الاحتياطي:

الإنتاج المحلي المتراجع، مدفوعاً بتدمير البنية التحتية الزراعية، وانخفاض المحاصيل بفعل الجفاف، نبّه الفاو إلى تراجع 40–75% من الحاصل الزراعي في بعض المناطق، فصوامع الحبوب، رغم قدرتها على استيعاب الإنتاج، إلا أنها تعمل الآن دون تأمين للصيانة الكافية، ما يُعرّض مخزون التموين للتلف.

  • نقص الوصول والقدرات الشراء:

أسعار الغذاء المرتفعة وتهاوي القدرة الشرائية دفعت العائلات نحو اعتماد استراتيجيات خطرة مثل:

  • تقليل عدد وجبات اليوم، أو التركيز على الأغذية رخيصة السعر.
  • بيع ممتلكات دخلت في مضمار الأمن الغذائي.
  • تبنّي معايير استهلاك أدنى للأطفال والنساء الحوامل.

مع ارتفاع سعر الغذاء، انخفضت جودة التغذية وتعقدت فرص الوصول للسوق، محددة بوضع إنساني مأزوم، ولك أن تعي أن مستويات الهزال عند الأطفال دون 5 سنوات تجاوزت مرحلة الطوارئ المعتمدة من الوكالات الدولية .

إن الواقع الغذائي السوري الحالي يسبب إنتاج أنماط الجوع المستدام والتنقل القسري للعائلات بحثاً عن الغذاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *