الجيش السوري الجديد: قوة ناشئة أم وصفة لانقسام مستقبلي؟

بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، تقف سوريا أمام منعطف جديد: تشكيل الجيش السوري عبر التخلي عن تجربة عسكرية طويلة، والمشروع يبدو في مظهره محاولة لإعادة بناء الدولة، لكنه في جوهره يعكس توازنات الحرب، لا توازنات الدولة، فهل نحن أمام مؤسسة وطنية؟ أم مجرد إعادة ترقيم للميليشيات بزي رسمي؟

هيكل لا ينتمي للدولة

يطمح الجيش السوري الجديد للوصول إلى بنية قوامها200,000  جندي، وتم حتى الآن تجنيد حوالي 100,000 لكن هذه الأرقام، رغم ضخامتها، لا تعني الكثير عندما تكون البنية الأساسية للجيش قائمة على تحالفات فصائلية متضادة:

  • ثلثا القيادة من هيئة تحرير الشام  (HTS).
  • حوالي30,000  من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا.
  • خطط لدمج 15,000 من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رغم ما يرافق ذلك من تعقيدات سياسية وأمنية.
  • لواء من 3,500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور.

والنتيجة جيش واسع، لكنه مفكك على المستوى المؤسساتي.

الجيش المصري: النظام فوق كل شيء

إذا قارنا هذا بالجيش المصري، نكتشف الفارق الجوهري عبر الانضباط الهيكلي، فالجيش المصري، رغم طابعه السياسي، يظل مؤسسة هرمية متماسكة ترتبط بالدولة، لا بشبكات ما دون الدولة، وبدعم أمريكي ثابت، يحتفظ بقدرة قتالية محترفة، ويشكل أحد أعمدة الاستقرار السلطوي، ولا يوجد ما يشير إلى أن الجيش السوري الجديد يتجه بهذا الاتجاه، لا من حيث العقيدة ولا الهيكل.

الجيش الإيراني: الولاء قبل المؤسسة

الجيش السوري الجديد يشبه في بعض ملامحه النموذج الإيراني، خاصة في اعتماده على فصائل عقائدية ونقل الولاء من الدولة إلى الفكرة، ولكن إيران تملك جهازا موازيا راسخا – الحرس الثوري – الذي يدير شبكة ميليشيات بفعالية إدارية وتنظيمية عالية، أما في سوريا، فالمؤسسة الجديدة تفتقر إلى وحدة قيادة حقيقية، حيث يحتفظ كل فصيل بقنواته الخاصة، فالإيغور مثلا على اتصال مباشر بالقيادة عبر “أبو دجانة”، في تجاوز واضح لتراتبية الجيش.

العراق: جيش بدولة من الميليشيات

نموذج الجيش العراقي بعد 2003 ربما الأقرب إلى ما يواجهه السوريون اليوم، من زاوية محاولة بناء مؤسسة عسكرية وطنية وسط شبكة من الميليشيات والولاءات المتضاربة، ورغم الدعم الدولي، لا يزال الجيش العراقي يعاني من مشكلات الانضباط والانتماء، ما يتركه هشّا أمام الأزمات، وسوريا تسير في الاتجاه نفسه، لكن مع تعقيد إضافي هو غلبة “هيئة تحرير الشام”، المصنّفة كتنظيم متطرف، على البنية القيادية، أما الجيش اللبناني، فرغم اعتباره آخر مؤسسات الدولة المتماسكة، إلا أنه يواجه شللا فعليا بسبب ثقل الانقسامات الداخلية.

تحديات التمويل والولاء

المفارقة أن الرواتب في الجيش الجديد (150 – 500 دولار شهريا) وهذا التمويل غير الشفاف يعيد إنتاج نموذج الاقتصاد الحربي، حيث تستمد الدولة مواردها من السوق الرمادي، وتربط الولاء بالمال لا بالمواطنة، إضافة إلى ذلك، فإن تجنيس المقاتلين الأجانب، وخاصة الإيغور، لا يعزز فكرة الدولة، بل يرسخ ولاء عقائدي عابر للحدود، بما يحوّل الجيش إلى كيان هجين بلا سيادة واضحة.

أين الولايات المتحدة وتركيا؟

رفع الولايات المتحدة لتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب مؤشر على تفاهمات تحت الطاولة، تهدف إلى تحييد قسد وضبط الفصائل الجهادية، مقابل تنازلات سياسية. لكن تقليص الوجود العسكري الأمريكي يطرح أسئلة حول مدى جدية هذا الالتزام.

تركيا، في المقابل، تدعم الجيش الوطني وتحتفظ بنفوذ مباشر داخل البنية الجديدة، ما يهدد بانقسام جيوسياسي طويل الأمد داخل المؤسسة نفسها.

الجيش السوري الجديد، في وضعه الراهن، لا يشكل مؤسسة وطنية بقدر ما يمثل تحالفا عسكريا متحركا ومؤقتا، فقوته الاسمية لا تعني شيئا أمام تباين الولاءات، وغلبة العقيدة على المهنية، وانعدام الشفافية المالية، ومقارنة بجيوش المنطقة، يتّضح أن سوريا لا تبني جيش دولة، بل تسوّق لانتصار سياسي عبر شكل مؤسسي هش.

نجاح هذا الجيش في البقاء مرهون بعنصر واحد، فهل تستطيع القيادة الانتقالية فرض مركزية القيادة على بنية تم تأسيسها على اللامركزية الفصائلية؟ الجواب لم يتبلور بعد، لكن المؤشرات الأولية تدعو إلى الحذر، لا التفاؤل.

1 فكرة عن “الجيش السوري الجديد: قوة ناشئة أم وصفة لانقسام مستقبلي؟”

  1. لمياء الحمصي

    كتبت هذا الكلام ب 2013 شتان بين البارحة و الآن: هو جيشنا في النهاية والظاهرة التي نعايشها كمؤسسة ترمز للسيادة، وتحمل معها كل التاريخ الحديث، وفيها من المساحات ما يكفي كي يرتاح المواطن، فيذهب الطلاب للامتحان وهم مدركون أن هناك جيشا يستطيع منحهم مساحة أمان… فالهامات السمراء هي في النهاية خلاصة لسورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *