المجلس التشريعي السوري المؤقت: مقيد أم سلطة مطلقة؟

حمل “الإعلان الدستوري” السوري الصادر في 13 آذار 2025 سياقا لما يفترض أنه خريطة طريقٍ لمرحلة انتقالية نحو سوريا، لكنه في نفس الوقت رسم الهوية الخاصة بالسلطة، فصلاحيات الرئاسة جاءت مطلقة، وتصميم المجلس التشريعي المؤقت يمنح الرئيس نفوذا حاسما على المسار التشريعي، ويُهدِّد بتحويل «الانتقال» إلى إعادة إنتاجٍ سلطة مُحكمة لمنظومةٍ رئاسية مقتدرة.

إن التحليل الأمني-الدبلوماسي والمقارنة لسياسات ما بعد الصراعات تستكشف كيف يمكن لآلية تشكيل المجلس وصلاحياته تقويض الاستقرار الذي يتطلع إليه السوريون وشركاؤهم الدوليون.

سياق ما بعد العقوبات وتطلعات المجتمع الدولي

رحّبت جلسة مجلس الأمن في 21 أيار 2025 بقرار واشنطن وبروكسل رفع العقوبات لإعطاء دمشق “متنفّسا اقتصاديا ودفع العملية السياسية، لكن المبعوث غير بيدرسن حذّر من أن غياب بنية تشريعية رصينة يُعيد إنتاج ديناميات الإقصاء التي غذّت الحرب، وفي الوقت ذاته أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة، أوتشا، نداء  لتغطية نصف عام فقط بقيمة ملياري دولار، ولم يُموَّل سوى 10 % منه، ما يربط فعالية المساعدات بمستوى الحوكمة والشفافية في دمشق.

هذا التباين الصارخ بين الحماسة السياسية لرفع العقوبات وبين تحذير المبعوث الأممي من فراغ تشريعي يكشف أنّ “المتنفّس الاقتصادي” الموعود يتحوّل إلى فرصة ضائعة إذا ظلّت بنية الحكم على حالها، بذلك تغدو قدرة الهيئة التشريعية المؤقتة على سنّ قواعد رقابة صارمة ومحاسبة فعليّة شرطاً جوهرياً لتحويل الفوائض المتوقَّعة إلى استقرار ملموس، لا إلى شبكات محسوبية قديمة تُعيد إنتاج ديناميات الإقصاء التي غذّت الحرب، ومن هذه النقطة تحديدا ينفتح النقاش على بنية المجلس ذاته وآلية تشكيله، إذ ستحدّد نسبة التعيين الرئاسي وحجم الحصانة البرلمانية ما إذا كان هذا المجلس سيؤسّس لعقد اجتماعي جديد أم سيمنح السلطة التنفيذية غطاءً تشريعياً بلا كوابح.

بنية المجلس المؤقت: معادلة تمكين الرئاسة

الإعلان الدستوري ينص على أن لجنة عليا يعيّنها الرئيس تُشرف على انتخاب ثلثي أعضاء المجلس، بينما يُسمِّي الرئيس الثلث الباقي، وبذلك يمتلك الرئيس “كتلة تعطيل” تجعل تجاوز الفيتو الرئاسي (يتطلّب أغلبية ثلثين) أقرب إلى المستحيل، وهو نمط تعاملت معه دراسات مقارنة حول الدساتير ما بعد الصراع، كما أنّ إزالة العضو لا تتم إلا بتصويت ثلثي الأعضاء، ما يمنح الكتلة المعينة تحصينا مضاعفا،

أما البند الخاص بالطوارئ يسمح للرئيس بإعلان الحالة الاستثنائية منفردا؛ وتجديدُها يحتاج موافقة المجلس بعد ثلاثة أشهر، لكن مع كتلة التعيين يصبح التمديد شبه مضمون، كذلك يحتكر الرئيس اقتراح تعديل الإعلان نفسه، بينما يتطلّب الإقرار أغلبية الثلثين ذاتها، ما يخلق حلقة مغلقة من “إصلاحٍ لا يمكن تحقيقه”.

التداعيات الأمنية والحوكمة

إن غياب المساءلة البرلمانية الفعلية يبعث برسالة خطأ إلى المجموعات السياسية والعسكرية التي ما زالت موجودة في سوريا، إذ تنتفي حوافز الانخراط في منظومة يرونها امتدادا لسلطة مركزية غير خاضعة للتوازن، ففي الشمال الشرقي، رفض مجلس سوريا الديمقراطية الإعلان الدستوري بدعوى تغييب اللامركزية وحماية الأقليات، وهو مؤشر مبكر على خطر التفكك الإداري، وأما في الجنوب والبادية فإن اقتصاد الحرب من تنظيمات تهريب ومحاور عشائرية، يتعزز حين يشعر اللاعبون المحليون بأن التشريع لا يُمثِّل مصالحهم .

المقارنة الإقليمية ودروس الشراكات الدولية

إن الخبرة الدولية في دعم برلمانات ما بعد الصراع بالعراق وليبيا تُظهر أن التمثيل الشامل وآليات الشفافية البرلمانية هما الشرطان المسبقان لأي مساعدات أمنية واقتصادية طويلة الأمد، غير أنّ الصيغة السورية الحالية تعاكس هذه الدروس؛ فهي تُقصي المعارضة الراديكالية التي تتحوّل إلى مفسدٍ أمني، وتُهمّش القوى المجتمعية التي يمكن أن تشكِّل جسراً لاستقرار المحافظات.

سياق النقاش حول إصلاح المجلس التشريعي المؤقت

بينما تتعثّر إجراءات الانتقال السياسي، يدور حديثٌ متصاعد في دمشق وبين الدوائر الدبلوماسية الغربية عن حزمة “إصلاحات تشريعية” يُفترض أن تقوم بتوازن داخل السلطة بدلا من تركيز الصلاحيات بيد الرئيس، فهناك فمشروع قيد التداول يُقلِّص نسبة التعيين الرئاسي في مجلس الشعب إلى 10 % فقط، أملا في كسر كتلة التعطيل” التي يمنحها له الإعلان الدستوري، وهناك مقترح أيضا لإنشاء لجنة مراجعة مستقلّة يُشارك فيها قضاة سوريون وخبراء أمميون؛ لفحص تمديد حالات الطوارئ خلال شهر من إعلانها، في محاولة لسدّ واحدة من أكبر ثغرات الرقابة.

تبدو الهيئة التشريعية المؤقتة، في ثوبها الحالي، أقرب إلى أداةٍ لتثبيت نفوذ الرئاسة منها إلى محرّكٍ لعقد اجتماعي جديد؛ وهو خلل يؤشّر إلى مآلات الحوكمة في الشرق الأوسط، وإن لم يُسَدّ هذا الخلل سريعا عبر إصلاح آلية التمثيل وتقوية المساءلة، فإن سيناريوهات الانزلاق إلى حكم رئاسي مطلق تبقى مرجَّحة.

1 فكرة عن “المجلس التشريعي السوري المؤقت: مقيد أم سلطة مطلقة؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *