خريطة السيطرة في سوريا: قراءة استراتيجية لمشهد معقد (نيسان 2025)

تعكس خريطة السيطرة على الأرض في سوريا، الصادرة عن معهد دراسة الحرب (ISW) في 25 نيسان 2025، استمرار الانقسام العميق والتعقيد الشديد في المشهد السوري، وتوضح الخريطة أن سوريا اليوم ليست دولة موحدة بالمعنى التقليدي، بل مساحة متداخلة من النفوذ المحلي والإقليمي والدولي.

السيطرة الجغرافية: خطوط تماس جامدة

تعقيدات ظهور دولة قوية ذات دور إقليمي تظهر عبر توزع القوة على الأرض، فسلطة دمشق تسيطر على “سوريا المفيدة”، أي المناطق الغربية المكتظة بالسكان، بما يشمل دمشق، حمص، حماة، واللاذقية، ومن المفترض أن يقدم هذا الامتداد العمود الفقري للدولة من الناحية الديموغرافية والاقتصادية، لكنه على أرض الواقع فإن الواقع الأمني يبدو مضطربا سواء في الساحل أو محافظة حمص.

في المقابل، تُسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (SDF) المدعومة من التحالف الدولي، على معظم شمال وشمال شرق سوريا (اللون البنفسجي)، وخاصة في محافظات الحسكة، الرقة، وأجزاء من دير الزور، وعلى الجبهة الشمالية الغربية، تواصل “هيئة تحرير الشام” (HTS) سيطرتها على محافظة إدلب، بينما تنتشر فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا (SNA) على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا، خاصة غرب الفرات.

أما جنوب شرق البلاد، فيبرز “مخيم التنف” كمنطقة نزاع خاصة، حيث تحافظ القوات الأمريكية وحلفاؤها على وجود ضمن “منطقة خفض التصعيد” قرب الحدود مع العراق والأردن (اللون الأزرق الفاتح).

تناقضات القوى الإقليمية والدولية

تعكس الخريطة تشابك المصالح الإقليمية والدولية، ويمكن إيضاح طبيعة التنافس وفق الأدوار التالية:

  • تركيا تؤمن حدودها الجنوبية بوجود وكلاء محليين (SNA)، وتُعيق أي تمدد كردي. 
  • الولايات المتحدةلا تزال تتمسك بموطئ قدم في التنف وفي دعم قوات قسد، ما يحول دون التمدد الإيراني – السوري في الشرق.
  • روسيا تواصل باتت محشورة ضمن قاعدة حميميم الجوية على الساحل السوري وسط اضطراب دفع مجموعات سكانية كبيرة للجوء إلى داخل القاعدة.
  • إسرائيل تنفذ غارات متقطعة داخل العمق السوري، في حين تشير الخريطة إلى منطقة انتشار “قوات الاحتلال الإسرائيلية” (IDF) في الجولان السوري المحتل.

إشارات سياسية مقلقة

هناك ملاحظتين تثيران الانتباه وفق خريطة السيطرة:

  • الأولى إعلان السلطة في دمشق نيتها تشكيل “لجنة عدالة انتقالية”، وهو تطور تكتيكي لكسب بعض الشرعية الدولية دون نية حقيقية للتغيير البنيوي.
  • تسرب أنباء عن انهيار وقف إطلاق النار بين النظام وقوات قسد، ما يهدد بتجدد الصراع العنيف في مناطق الشرق والشمال الشرقي.

تُظهر الخريطة أن مشهد السيطرة في سوريا ثابت إلى حد بعيد منذ سنوات، ولكن هشاشته العميقة تجعل أي تغيير طفيف قد يقلب التوازنات الهشة. إذ أن الصراع المجمد يحمل في داخله بذور تفجرات مستقبلية، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على مختلف الأطراف.

بالمحصلة، فإن سوريا في 2025 لا تزال ساحة مفتوحة لمعارك بالوكالة، ويبدو أن أي حل سياسي شامل لا يزال بعيد المنال، طالما أن الجغرافيا مقسمة، والقوى الخارجية مستمرة في الاستثمار في هذا الانقسام، ويوضح الرسم البياني التالي نسب توزع القوى:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *