في 23 أيار 2025 أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) الرخصة العامة رقم 25، التي علّق بموجبها معظم القيود المالية المفروضة على المصارف الحكومية السورية، وشركات النفط والغاز، ومؤسسات النقل والإعلام الرسمية.
القرار يُعدّ رفعا للعقوبات المالية لا إلغاء لها، إذ يمكن لوزارة الخزانة إعادة تفعيل القيود بقرار واحد، وتوفر الخطوة سيولة فورية للنظام الانتقالي وتفتح الباب أمام استثمارات خارجية، لكنها تأتي أيضا وسط فراغ أمني يمكن أن تستثمره الجماعات السلفيّة لفرض نموذج ثقافي محافظ.
أولاً: السياق التشريعي واللحظة السياسية
منذ 2004 تراكمت خمسة أوامر تنفيذية وقانون قيصر (2019) لتشكّل منظومة عقوبات قاسية على دمشق، وبعد سقوط النظام السابق في كانون الأول 2024 وصعود أحمد الشرع رئيسا انتقاليا، ناقشت واشنطن جدوى العقوبات كأداة ضغط، وجاء إعلان الرئيس الأمريكي في قمة الرياض منتصف أيار ليعزز توجه تخفيف القيود، فجاءت الرخصة 25 لتترجم هذا التوجّه عمليا.
الرخصة علّقت جميع القيود الواردة في اللوائح الفيدرالية 31 CFR Part 542 على 92 كيانا حكوميا وخاصا، وكونها “عامة” يعني أن كل المعاملات مسموحة من دون طلب إذن فردي، كما أن صلاحيتها مفتوحة؛ لكن OFAC تحتفظ بحق سحبها في أي لحظة، ما يبقي ورقة الضغط قائمة.
ثانبا: مشهد أمني يزداد سيولة وصعود الثقافة السلفية
سجلت التقارير خلال أسبوع فقط قبل صدور الرخصة برفع العقوبات ارتفاع البلاغات الجنائية في مدن الساحل وحلب 18%، بينما نفذ تنظيم “داعش” 33 هجوما منذ مطلع 2025، ولجأت السلطات إلى “لجان شعبية” محلية لضبط الأحياء المدمّرة، ما يكرّس تجزؤ السلطة الأمنية.
من جانب آخر من المتوقع أن تتدفق إلى المصارف الحكومية سيولة تُقدَّر بـ 900 مليون دولار خلال الأيام الثلاثة الأولى عبر نظام SWIFT، وضعف الرقابة المصرفية يفتح الباب أمام غسل الأموال وشراء السلاح الخفيف، ما يهدد بانتعاش اقتصاد العنف.
عمليا فإن وزارة التربية الانتقالية أقرّت وحدات “العقيدة الصحيحة” في المناهج الإعدادية بضغط من شخصيات مرتبطة بهيئة تحرير الشام، في الوقت نفسه أثارت واقعة مطالبة الرئيس الشرع امرأة بتغطية شعرها جدلا واسعا حول الحريات الفردية، فالمجتمع السوري المتعدّد مذهبياً وإثنياً أظهر في دراسات عدة مقاومة مستمرة لمحاولات فرض النموذج السلفي، ويتوقع محللون أن تواجه المناهج الجديدة اعتراضات قوية من المدارس الخاصة وائتلافات أولياء الأمور.
إن رفع العقوبات سيكرس الواقع الثقافي عبر تقوية الجهاز السلفي الموازي والمدعوم من قبل السلطة الحالية، كما أنه سيتيح مساحة زمنية أمام دمشق للعب على مسألة الشروط الأمريكية.

ثالثا: خريطة المستفيدين من الرفع
الفئة | المكاسب المباشرة | ملاحظة نقدية |
أبو محمد الجولاني وأنس الخطاب | فك تجميد الأصول وتحويل التبرعات | يهدد مسار العدالة الانتقالية |
المصارف الحكومية | إعادة الاتصال بسويفت وتلقي الودائع الدولارية | يقلّص ورقة الضغط المالي |
شركات النفط والغاز | بيع النفط واستلام الإيرادات | يموّل الأجهزة العسكرية |
المعابر والمرافئ | استيراد/تصدير بلا قيود دفع | يسهّل تهريب السلع مزدوجة الاستخدام |
الإعلام الرسمي وشركة الطيران | شراء معدات وبث دعاية وتسيير رحلات | يعزّز شرعية السلطة داخلياً وخارجياً |
رابعا: الآثار الاقتصادية والمالية الفورية
- سيولة النظام المال: يُتوقَّع ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى خمسة مليارات دولار خلال ستة أشهر.
- قطاع الطاقة: تخطّط وزارة النفط لرفع الإنتاج إلى 350 ألف برميل/يوم بحلول 2026، ما يرفد الخزينة بأربعة مليارات دولار سنويًا.
- الاستثمار الخاص: بدأت وفود شركات بناء أوروبية وخليجية استطلاع دمشق وحلب، لكن علاوة المخاطر المرتفعة (أكثر من 12%) قد تؤخّر التدفقات.
سادساً: الانعكاسات على السياسات العامة
- المالية العامة: زيادة متوقعة في إيرادات الجمارك 48% تسمح برفع الحد الأدنى للأجور.
- الإعلام والدعاية:عقد بقيمة 45 مليون دولار يتيح للتلفزيون الرسمي تقنية بثّ عالية الدقة، ما يقوي رواية الدولة.
- الأمن والدفاع: رغم بقاء وزارتي الدفاع والداخلية تحت العقوبات، فإن تحويل رواتب العسكريين بالدولار يعزز ولاء قطاعات الجيش.
سادسا: الحسابات السياسية والاستراتيجية
الشرعنة السريعة تضع واشنطن في موقع “المموّل غير المشروط”، فمهلة الخارجية الأمريكية البالغة 180 يوما كافية لتحويل الأصول إلى ملاذات آمنة، ما يصعّب إعادة العقوبات.
وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لهوية سوريا:
- هوية دينية محافظة: سيولة المصارف الإسلامية وخطاب “النهضة الروحية” قد يرسّخان نموذجا سلفيًا خلال خمس سنوات.
- هوية وطنية تعددية: انفتاح الاقتصاد وعودة اللاجئين قد يعيدان سردية “الوطن للمواطَنة” إذا رُبط التمويل بالإصلاح الدستوري.
- فسيفساء مناطقية متناحرة: استمرار اقتصاد العنف يهدد بتقسيم البلاد إلى كانتونات محلية متناحرة.
سابعا: توصيات وفق منهج آدزنيك
الهدف | الإجراء | الجهة المسؤولة |
منع تمويل الجماعات المتشددة | وحدة تدقيق مستقلة داخل البنك المركزي بإشراف OFAC | وزارة المالية / الخزانة الأمريكية |
حماية التعددية الثقافية | ربط القروض الدولية بحرية المعتقد والمناهج المتوازنة | البنك الدولي / الاتحاد الأوروبي |
إغلاق نافذة الانفلات الأمني | قوة شرطة مختلطة تُموّل مشروطًا بتقارير حقوقية شهرية | وزارات الداخلية والعدل |
يوفّر رفع العقوبات المالية نافذة إنعاشٍ اقتصاديّ سريع، لكنه يطلق سباقا بين قوى مدنية تسعى لبناء دولة تعددية وبين تيارات سلفية تسعى لفرض نموذج ثقافي محافظ، وقدرة الحكومة والمجتمع الدولي على مراقبة التدفقات المالية وفرض شروط حوكمة صارمة ستحدد ما إذا كانت الرخصة 25 ستقود إلى استقرارٍ شاملٍ أم تُكرّس دورةً جديدةً من العنف والتشدد.