الشيباني في موسكو 2025: صفقة السلطة الرمادية أم هندسة لمرحلة جديدة؟

في عالم ما بعد انهيار المنظومات، لا تُقاس الشرعيات بخطاب السيادة بل بقدرة الدولة على الاستمرار ضمن خرائط النفوذ، ووفق هذا المنظور، لا تحمل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، تليها باكو، أي دلالة على انبعاث “سياسة سورية مستقلة”، بل تعكس تحركا قسريا ضمن فضاء مغلق من القيود الجيوسياسية.

النظام السوري الجديد، رغم تغيير وجوهه، لا يزال يتحرك كسلطة أمر واقع تبحث عن مصادر دعم خارجي تحت غطاء إعادة التموضع، فتفاوض موسكو على إعادة صياغة النفوذ الروسي، ثم تتجه إلى أذربيجان لفتح قنوات مع تل أبيب؛ دون إطار مؤسساتي أو مساءلة وطنية، ولا يعد هذا الأمر انتقالا من محور إلى آخر، بل إدارة مرنة للتبعية، إنما حالة “الاستقلال المقيد”، حيث تتكيّف الأنظمة مع الخارج أكثر مما تُعيد تعريف الداخل.

السلطة في دمشق لا تصوغ استراتيجية، بل تتفاعل مع الفراغ، وما يُقدَّم كحراك سيادي، هو في جوهره محاولة لتثبيت نظام هجين بلا أيديولوجيا، وبلا تحالفات ثابتة، وبلا سردية وطنية تجمع الداخل والخارج في مشروع واحد.

بين شرعية ظرفية وانعدام مركز القرار

في البلدان الخارجة من الانهيار البنيوي، غالبا ما تبدو السلطة الجديدة كاستجابة أكثر من كونها مبادرة، ويظهر النظام السوري بهذه الصورة، فالبُنية السياسية لم تُنتجها ثورة فكرية ولا مصالحة وطنية، بل لحظة فراغ تقاطعت فيها الإرادة الدولية مع إرهاق الداخل، وما تملكه دمشق من قوة لا يُستمد من شرعية تمثيلية، بل من غياب البدائل.

أ. مكامن القوة:

  • الفراغ السياسي لا يزال يعمل لصالح السلطة الجديدة، فكل الفاعلين الدوليين والإقليميين، من موسكو إلى واشنطن، يفضّلون التعامل مع سلطة ضعيفة قابلة للتفاوض على المخاطرة بفراغ سياسي يؤدي إلى الفوضى أو سيطرة قوى غير منضبطة.
  • هذه الرغبة في “استقرار بدون ديمقراطية” تمنح النظام فسحة للحركة بشرعية ضمنية، لكنها قابلة للانكماش عند أي إخلال بالتزامات الخارج.
  • انفتاح الجغرافيا السياسية؛ فانهيار المحور الإيراني-الروسي القديم، وتراخي نفوذ طهران إقليمياً، غير من هامش التحرك لدمشق، لكنها تتعامل مع صفيح ساخن، وتبقى قادرة على التحرك طالما استمرت الأطراف الكبرى في تغليب منطق الاحتواء على منطق الإزاحة.
  • الرؤية الدولية للنظام السابق، فمفارقة السلطة الجديدة أنها تستفيد من هذا الأمر، والدول الغربية باتت ترى في أي كيان مختلف شكلا (ولو في الشكل فقط) فرصة لمحو آثار سياساتها المترددة في العقد الماضي، وهذا يفسّر سهولة حصول دمشق الجديدة على تخفيف للعقوبات ورفع للعزلة الدبلوماسية.

ب. بُنى الضعف العميقة:

  • غياب التمثيل الشعبي الحقيقي فلا حكومة انتقالية جامعة، ولا دستور جديد، ولا انتخابات حرة، وكل هذا يعني أن البنية الجديدة تفتقر للمشروعية العميقة، وتقوم على التسويات الأمنية لا التوافقات الوطنية، وغياب الركائز المؤسساتية يعني أن كل إنجاز دبلوماسي يمكن أن يتحول إلى عبء ما لم يُدعّم داخلياً.
  • هيمنة الأجهزة على القرار فلا تزال بنية الحكم أمنيّة – تقنية، تشتغل بمنطق الإدارة لا بمنطق السياسة، وهذا ما يجعل الدولة عاجزة عن إنتاج قرار خارجي مستقل، إلا بالقدر الذي تسمح به الموازنات الدقيقة بين القوى المتداخلة في الملف السوري.
  • الارتهان المالي والخارجي فالديون الهائلة لموسكو، والاعتماد على المانحين الغربيين والخليجيين، تُسقِط عن النظام أي ادعاء بالاستقلال، فالسياسة الخارجية تتحرك تحت سقف التمويل، لا سقف المصلحة العليا، وهذه معادلة استدامتها مشروطة دائمًا بمزاج الممول.

خيارات استراتيجية في زمن الاستقطاب السائل

إذا كان النظام السابق صاغ سياسته من موقع الانتماء الأيديولوجي لمحور المقاومة، فإن دمشق الجديدة تتحرك من موقع الحاجة لإعادة الإعمار وللاعتراف بالشرعية والحاجة لتثبيت الكيان في وجه الانهيار، وهذا يفرض مقاربة مختلفة، لا تقوم على الاصطفاف، بل على التنقل الحذر بين القوى.

  • مع موسكو: المفاوضات كتكتيك احتواء لا انفصال

دمشق لا تستطيع الانفصال عن موسكو، ليس فقط بسبب الوجود العسكري، بل لأن روسيا لا تزال الضامن الرئيسي لتموضع سوريا في مجلس الأمن وأروقة السياسة الدولية، لكن السلوك الجديد يقوم على موازنة النفوذ لا استبعاده، عبر إعادة التفاوض على القواعد العسكرية، وتقليص الدعم الروسي غير المشروط.

تطالب دمشق بالتعويضات عن تدخلات سابقة، لكن الهدف ليس التصعيد، بل الوصول إلى علاقة “متوازنة اضطرارياً” لا تملك فيها الدولة الصغيرة قرار الفكاك، لكنها تفاوض شروط البقاء.

  • مع واشنطن: الانفتاح مقابل الضبط الذاتي

العلاقة مع واشنطن أوضح، لكنها أخطر، فالولايات المتحدة تمنح الدعم المشروط، وتراقب التنفيذ، ولا تكتفي بالتصريحات، بل تراقب كل إشارة على بقاء النفوذ الإيراني، على تطبيق التزامات الكيميائي، أي إخلال قد يُعيد العقوبات فوراً، وهذا يجعل دمشق في وضع المراقَبة الدائمة، دون ضمانات استقرار طويلة الأمد.

  • مع إسرائيل: التطبيع كأداة تموضع، لا قناعة

الانفتاح غير المباشر على تل أبيب، من خلال قناة باكو، لا ينبع من تحوّل أيديولوجي، بل من قناعة بأن “الكيان الإسرائيلي” يمثل “بوابة عبور إلزامية” لأي ضمانة أميركية حقيقية، لكن هذا المسار، وإن بدا واعداً من الخارج، يحمل في داخله قابلية الانفجار، فبدون سياق وطني جامع يتحول التطبيع إلى انقسام داخلي جديد يُفقد السلطة كل ما تبقى لها من شرعية الصمود.

دولة تتفاوض على وجودها بدل أن تبنيه

ما بين موسكو وباكو وواشنطن والرياض وأنقرة، تتحرك سوريا في حقل ألغام استراتيجي، لكنها لا ترسم خطواتها كدولة تصنع سياستها، بل كنظام يبحث عن تثبيت نفسه داخل خرائط الآخرين، وتنتقل دمشق إلى التبعية التي تسعى إلى أن تكون مرنة مع قدرة على المناورة، لكنها لا تزال أسيرة غياب القرار الوطني المستقل.

إن زيارة الشيباني إلى موسكو، ثم الاستعداد للمفاوضات مع “إسرائيل”، لا تعني ولادة سياسة خارجية جديدة، بل استئناف لصيغة تقول نعم للجميع، دون أن تملك حق الرفض، وهو ما يعبر عن جوهر الهشاشة السياسية، فحين تكون السلطة متكيفة، لكن بلا مشروع، فالسؤال الحقيقي لم يعد أين تقف دمشق، بل هل تعرف إلى أين تتجه؟

1 فكرة عن “الشيباني في موسكو 2025: صفقة السلطة الرمادية أم هندسة لمرحلة جديدة؟”

  1. ميرنا سلام

    ياحيف يقول لا نريد قتل الدروز من هم الدروز برأيه لوكان وزير يفهم ما كانوا جابوا جاهل بتاريخ الدروز ويتقصد أن المكونات الأساسية دخيلة وبرايهم ليسوا اسلام وسورية إسلامية منذ أربعة عام والحقيقة محتلة من تركيا العثمانية العنصرية منذ 14 عام وهو الدخيل والغريب عنها وعار أن يقبل تقسيم سورية مع روسيا الحليف القذر الذي ساهم بتدمير سورية وكنت انتقد تعليقات لافروف بالمحافل الدولية ووقرفه مع المعارضة والهدن الملغومة مع حليفه التركي والقطري والايراني كل ما تقدم الجيش إلى حدود تل رفعت وبعد هدر دم الجيش السوري بتحريرها وهم غايتهم تدميره من تجميع الإرهاب بادلب وإعادة دعمهم من جديد ليعودوا الهجوم بدعم تركي وقطري وعودة الجيش للمربع الأول على سنوات طويلة وكله مشروعهم واحد مع حليفهم التركي والإسرائيليي والخليجي هو تقسيم سورية وحكمها بالإسلاميبن الارهابين بحمايتهم لتغيير وجودها وهويتها الحضارية لتبقى بلد منهك وضعيف ومغلق على حدود إسرائيل دون جيش بعد الاتفاق بمساعدة الروسي الغادر على منع الرد وتوقيف الرادارات و ضرب وعلمه بكل ضربة صواريخ 300 لحفظ سيادة جيشها وحماية عاصمتها ومواقع الجيش حتى عند حريق غاباتها المفتعل تطفىء روسيا حوالي قواعدها وتساعد إسرائيل لإطفاء حرايقها بحواماتها وتترك غابات سورية تحترق على مرأى من عيونها بقواعدها بسورية أنهم سيندمون مهما طال الزمن والزمن دوار على المفتري ولسورية السلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *