المجلس الانتقالي في دمشق: هل يعزز الشرعية السياسية أم يكرّس شبكات النفوذ؟

منذ إحكامها السيطرة على دمشق، فرضت السلطة الجديدة نمطا انتخابيا لا يقوم على التنافس الشعبي بقدر ما يقوم على إعادة هندسة الولاء، وظهرت ملامح ذلك في آليات الإقصاء التي طالت شخصيات مستقلة، وفي السيطرة المحكمة على الإعلام، إضافة إلى استخدام الموارد الاقتصادية كوسيلة ضغط مباشر لترتيب الاصطفاف السياسي.

الإعلان عن المجلس الانتقالي في دمشق عزز الشكوك المحيطة بالعملية السياسية، فبدل أن يُنظر إليه كبداية لتحول ديمقراطي، بات يُقرأ كامتداد لسياسات الضبط نفسها، مع تغليفها بخطاب انتخابي جديد، فتظهر الانتخابات أداة لإعادة تثبيت موازين القوة القائمة أكثر من كونها مدخلا لإنتاج شرعية شعبية حقيقية.

المجلس الانتقالي في دمشق: خلفيات وتحديات

الإعلان عن المجلس الانتقالي السوري قُدم بوصفه خطوة نحو إصلاح سياسي، ومؤسسة تشريعية جديدة تمثل “إرادة الشعب”، لكن التدقيق في بنيته يكشف أن الانتخابات النيابية السورية عملية محسوبة النتائج.

فالقانون الانتخابي الذي ينظم عمل المجلس يتيح للرئيس أحمد الشرع تعيين ثلث الأعضاء (70 نائبا من أصل 210)، ما يضمن له كتلة صلبة قادرة على التحكم بالقرارات، أما اللجنة العليا للانتخابات التي يعينها الرئيس بشكل يخرق استقلاليتها، فتعمل كجهاز “تصفية” سياسي، فلا تسمح بمرور أي مرشح من دون اختبار ولاء.

العملية الانتخابية بصورتها السابقة إعادة صياغة لآلية معروفة، حيث مجلس الشعب السوري واجهة سياسية، والقرار الفعلي بيد السلطة وشبكاتها الأمنية.

هيئة تحرير الشام والانتقال من إدلب إلى دمشق

من أبرز ما يثير الجدل في الانتخابات السورية 2025 الدور غير المعلن لـ هيئة تحرير الشام، فالمجلس لا يمكن قراءته بمعزل عن التجربة التي راكمتها الهيئة في إدلب، حيث أسست نمطا من الحكم الممزوج بين الشرعية الدينية والأمنية والاقتصادية.

الانتقال إلى دمشق لم يُلغِ هذه البنية، بل أعاد توزيعها جغرافيا، ومع أن واشنطن رفعت منتصف 2025 تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية، وتقارير الأمم المتحدة لم ترصد مؤخرا روابط مباشرة بينها وبين القاعدة، إلا أن إرثها السلفي-الجهادي وشبكاتها المالية لا تزال قائمة، فالمجلس الانتقالي امتداد لهذه البنية، مع واجهة مدنية جديدة موجهة للاستهلاك الدولي.

قانون الانتخابات في سوريا: بين النص والواقع

  • لجنة عليا بلا استقلالية

النصوص القانونية التي تنظم عمل اللجنة العليا للانتخابات السورية تبدو على الورق أقرب إلى النماذج الديمقراطية؛ إشراف قضائي، شفافية، وضمانات نزاهة، لكن الواقع مختلف، حيث يتم التحكم بالترشح والاقتراع مسبقا عبر آليات انتقاء دقيقة.

  • التعيين والانتخاب في آن واحد

القانون يمنح الرئيس سلطة تعيين ثلث الأعضاء، ما يجعل نتائج التصويت محسومة سلفا، وفي ظل اعتماد بقية الأعضاء على رضا السلطة، تصبح الانتخابات البرلمانية السورية أقرب إلى عملية تزكية منها إلى منافسة حقيقية.

هذا الواقع يضع سوريا مجددا أمام مأزق، فالانتخابات تُدار نتائجها قبل أن تبدأ، والمجلس يُستخدم لتثبيت الولاء لا لتمثيل الشعب.

البرلمان السوري: سلطة مراقبة أم أداة تزكية؟

المؤسسة التشريعية في أي نظام سياسي يفترض أن تكون رقيبا على الحكومة وصوتا للشعب، لكن في الحالة السورية، سواء في برلمانات النظام السابقة أو في المجلس الانتقالي الجديد، تتحول الوظيفة إلى أداة تزكية.

الأعضاء يعرفون أن بقاؤهم لا يعتمد على الناخب، بل على رضا السلطة، فالبرلمان السوري يظل محدود الإرادة، مجرد إطار شكلي لإضفاء الشرعية على قرارات متخذة مسبقا.

الانتخابات السورية وتجارب المعارضة السابقة

ليست هذه المرة الأولى التي يُنتَج فيها كيان سياسي على مقاس اللحظة، فسبقتها تجارب مثل المجلس الوطني والائتلاف السوري، اللذين وفرا واجهة للمعارضة لكن دون قدرة حقيقية على صناعة القرار.

الجديد في حالة المجلس الانتقالي في دمشق أنه لا يُقدم كمعارضة، بل كجهاز حكم يسعى لتثبيت سلطة قائمة، وهنا يكمن الفارق فلم يعد المطلوب إدارة المعارضة، بل إدارة الولاءات داخل مؤسسة يفترض أنها تمثل الشعب.

القانون الدولي والمساءلة المستقبلية

من منظور القانون الدولي، فإن الانخراط في مؤسسة مثل المجلس الانتقالي السوري لا يخلو من مخاطر، فالتجارب في العراق بعد 2003 أو البوسنة بعد دايتون تظهر أن المؤسسات الانتقالية تخضع لاحقا لآليات التدقيق  (Vetting).

وفق آلية التدقيق فإن الأعضاء الذين يُنظر إليهم كأدوات لإعادة إنتاج نفوذ هيئة تحرير الشام ربما يواجهون عزلا سياسيا أو مساءلة مالية، وربما إدراج أسمائهم على لوائح العقوبات الفردية.

السيناريوهات المحتملة للمجلس الانتقالي السوري

رغم محاولات السلطة في دمشق تقديم المجلس الانتقالي كخطوة باتجاه الاستقرار السياسي، إلا أن بنيته وآلية تشكيله تجعلان مستقبله موضع جدل، فغياب التمثيل الشعبي الحقيقي، واعتماد المجلس على الولاء أكثر من المشاركة، يضعه أمام مسارات متباينة تتراوح بين تثبيت سلطة الأمر الواقع أو التعرض لتفكيك وضغوط داخلية وخارجية، قراءة هذه السيناريوهات تتيح فهم طبيعة المرحلة المقبلة وحدود قدرة المجلس على الاستمرار كمؤسسة شرعية أو مجرد واجهة مؤقتة.

  1. تثبيت سلطة الأمر الواقع

يستمر المجلس بوصفه برلمانا دائما، يستخدم لإدارة الولاءات وتوزيع الامتيازات، في هذه الحالة، ستظل الانتخابات السورية واجهة لا أكثر.

  • إعادة فتح الملفات الدولية

إذا ضغطت القوى الدولية أو تغيرت التوازنات الداخلية، فسيُعاد النظر في شرعية المجلس، حينها ستُفحص اللجنة العليا وآليات التعيين وارتباطات الأعضاء السابقة.

  • فشل المشروع وانهياره

في حال عجز المجلس عن إقناع الداخل والخارج، يتفكك سريعا ليترك فراغا سياسيا جديدا، يعيد إنتاج دوامة الفوضى أو الحكم الأمني المباشر.

شرعية تبحث عن جمهور

يبقى مجلس الشعب الانتقالي اختبارا جديدا لفكرة الشرعية في سوريا، فمن دون انتخابات حرة ونزيهة، ومن دون تمثيل حقيقي للإرادة الشعبية، ستظل المؤسسات الانتخابية السورية أقرب إلى واجهات سياسية تُدار بالولاء لا بالصوت الشعبي.

كل الإجراءات التي اتخذتها السلطة الانتقالية في سوريا لم تستطع حتى اليوم أن تعكس تحولا حقيقيا في مفهوم الشرعية، وما لم يتم تفكيك شبكات النفوذ القديمة وبناء عقد اجتماعي جديد، ستظل كل الهيئات السورية واجهة سياسية أكثر منها مؤسسات تشريعية.

تفصيل وإجمالي: كيف تؤثر الإجراءات على الديمقراطية في سوريا؟

🔹 الرسم الأول (الأعمدة) يوضح أثر كل إجراء على حدة
🔹 الرسم الثاني (العداد) هو المحصلة النهائية لهذه الإجراءات
◼ نقص منخفض (0–30%)    ◼ نقص متوسط (30–70%)    ◼ نقص مرتفع (70–100%)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *