المفاوضات السورية الإسرائيلية 2025: قراءة جيوسياسية في توازن الشرق الأوسط الجديد

في بدايات عام 2025، ومع تبدّل المشهد السياسي السوري بعد انهيار نظام البعث في كانون الأول 2024، دخلت العلاقات بين سوريا و”إسرائيل” في مرحلة تبدّل جوهري، ليس من باب السلام الكامل فحسب، بل من منظور إعادة ضبط جغرافيا الأمن والهيمنة في جنوب سوريا.

باستخدام عدسة جغرافيا السياسة يمكن قراءة ما جرى في عام 2025 كتجربة انتقال من المواجهة المفتوحة إلى تفاوض غير مباشر/أمني تدريجي، يسعى كل طرف فيه إلى تثبيت وضع أفضل على الأرض قبل التوقيع على أي اتفاق نهائي.

سياق التحوّل السوري

مع تولي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية في سوريا مطلع 2025، بدأت السلطة في دمشق مسارا جديدا يسعى إلى رسم هوية وشرعية مختلفة لسوريا مناقضة للسابق؛ بالتوازي مع حراكٌ دبلوماسي وإقليمي، فالشرع أعلن في مقابلاته أن سوريا دخلت في “محادثات غير مباشرة” مع “إسرائيل” تهدف إلى تهدئة الوضع على الحدود الجنوبية، واجتماعه في واشنطن مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح مسار تعاون أمني يُعيد دمشق الى واجهة التفاوض الإقليمي من بوابة الملف الإسرائيلي.

أما “إسرائيل” حشدت أمنيا منذ سقوط النظام، ووضعت “نزع تسليح الجنوب السوري” كأولوية، وذلك مع إعلان من رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بأن بلاده تطالب بـ”تدمير القدرة العسكرية” لحلفائها في القنيطرة ودرعا والسويداء.

مسار المفاوضات عام 2025: مراحل وأيضا خيوط

  1. الربيع – المحادثات غير المباشرة
    في مايو 2025، أعلن الشرع أن بلاده أجرت محادثات غير مباشرة مع “إسرائيل” عبر وسطاء بهدف تهدئة التصعيد؛ بعد غارات إسرائيلية على جنوب سوريا، وتبدل نمط الحوار من المواجهة العسكرية إلى بوابات دبلوماسية، عبر وسطاء خليجيين أو أميركيين، في محاولة لتثبيت قاعدة تفاهم أولية.
  2. الصيف – التصعيد الميداني وضغط الأرض
    رغم التفاوض، استمرت “إسرائيل” بضربات جوية بغرض فرض معادلات على الأرض، ومنها غارات في تموز على دمشق والقنيطرة، تزامنا مع اشتباكات محلية في السويداء، الأمر الذي أدخل التفاوض في “مرحلة ضغط” تكتيكي، أوجد لدى سلطات دمشق وجها للمساومة، فإما تفاهم أمني أو استمرار ضربات وتصعيد”.
  3. الخريف – لقاء واشنطن وخطاب الانسحاب المطلب
    في تشرين الثاني التقى الشرع ترامب في واشنطن، وطرح أمام الصحافة مطلب انسحاب “إسرائيل” إلى ما قبل 8 كانون الأول 2025 من حدودها، وفي نفس الوقت قال في مقابلاته إن الحوار “مباشر” مع إسرائيل بدأ، لكنه ليس تطبيعا فوريا، وهذا الخطاب يجسد رغبة سلطة دمشق في تثبيت حضورها، ورفض أن يكون أي “تفاهم أولي” مقدّماً على مواقف جوهرية مثل الجولان.

تحليل الجغرافيا السياسية: ما الذي يتفاوضان عليه؟

الجغرافيا ليست خلفية فقط، بل هي العامل الفاعل الذي يشكل الاستراتيجية، وفي هذا الملف، النقطتان الأساسيتان هما مَن يسيطر على الجنوب السوري والمناطق الحدودية؟ ­وما هو الشكل النهائي لوضع الجولان؟

  • بالنسبة للسلطة في سوريا، إعادة السيطرة الرمزية على الجولان تُعد أولى غاياتها، وليس بالضرورة إعادة فورية بل تأكيد أن التفاوض على السلام لا يتم خارج “الحدود التي قبل 8 كانون الأول”.
  • بالنسبة لـ”إسرائيل”، الهدف هو منع جنوب سوريا من أن يصبح منصة تهديد، ودفع سلطات دمشق لقبول نظام أمن حدودي جديد تحت إشراف دولي، ما يعيد ضبط “خط التماس” لصالح تل أبيب.

وهنا يظهر شكل تفاهم محتم لاتفاق أمني – تدريجي، يبدأ بمنطقة مراقبة ونزع تسليح جنوب الجولان، ثم تبديلات حدودية رمزية، وانتهاء بإعادة بناء/تطبيع اقتصادي تدريجي.

أشكال التفاهم المتوقع والتنفيذ

يمكن تفصيل الخطوات التالية كمسار محتمل:

  • المرحلة الأولى إعلان تفاهم أمني يُحدد منطقة مراقبة جنوب الجولان/القنيطرة، مع انسحاب رمزي لقّوات “إسرائيلية” أو تخفيف وجودها، كما توافق سلطات دمشق على عدم احتضان مجموعات مسلحة تهدد “إسرائيل”.
  • المرحلة الثانية إطلاق مشاريع إعمار في المناطق الحدودية السورية (درعا، القنيطرة)، بتمويل خليجي أو أميركي، مقابل خطوات سلطات دمشق في مجال الأمن والحدود.
  • المرحلة الثالثة فتح باب المسار الدبلوماسي نحو تطبيع جزئي، مع المحافظة على أن قضية الجولان تبقى “في انتظار الحل النهائي”، فالتطبيع اقتصادي/أمني، وليس معاهدة سلام نهائية فورا.
  • المرحلة الرابعة (بعيدة نسبيا) مفاوضة شاملة حول الجولان والتعويضات أو وضعية إدارية خاصة به، أو وضع من نوع حكم ذاتي لمنطقة سوريا في الجولان تحت إشراف دولي” ما يسمح بتوقيع معاهدة سلام نهائية.

العوائق التي تواجه التفاهم

لكن ليس كل شيء ممهّدا، فثمة معوقات جوهرية:

  • موقف الداخل السوري، فأي قيادة تقبل بمفاوضات تُعني جزئيا بتسوية “أمنية” قبل استعادة كاملة للجولان ستواجه انتقادات داخلية وصراع شرعية.
  • الموقف الإسرائيلي الداخلي، ففي “تل أبيب” يوجد من يرى أنه لا يمكن تقديم تنازلات في الجولان دون ضمانات أمنية صلبة، ما يقلّل من فرص توقيع سريع.
  • تغيّرات إقليمية مفاجئة، فأي حرب في لبنان أو عدوان إسرائيلي جديد سيوقف المسار كاملا أو يعيده إلى مربع الصراع المفتوح.
  • شرط سوريا انسحابا إسرائيليا إلى حدود ما قبل 8 كانون الأول ربما يكون “حجر عثرة” أمام التوصل لاتفاق أولي، فهو مطلب جوهري ليس من السهل تلبيته بسرعة.

مآلات النجاح أو الفشل: التحوّل في توازن الإقليم

إذا كُتب للمفاوضات السورية-“الإسرائيلية” النجاح، فلن يكون أثرها المباشر في خطوط التماس أو في هدوء الجولان فقط، بل في إعادة تشكيل الخريطة الذهنية للنظام الإقليمي بأكمله، فنجاح التفاهم يعني عمليا ولادة محور شرق متوسطي جديد يمتد من تل أبيب إلى دمشق، مرورا بعمان وبيروت المنكفئة، ويُعيد تعريف موقع سوريا لا كجبهة صدام، بل كـ”منطقة عازلة جيوسياسية” بين “إسرائيل” وإيران.

“إسرائيل”، في هذا السيناريو، ستجد نفسها محاطة بجيران لم يعودوا خصوما مباشرين، بل شركاء أمنيين ضمن هندسة أميركية-خليجية أوسع، أما سوريا فستتحول من دولة في طور ما بعد الحرب إلى ركيزة توازن إقليمي هشّة ربما، لكنها مؤثرة تُستخدم لضبط حدود الفوضى لا لتوسيعها، وفي المحصلة، سيكون النجاح هنا تحولا في طبيعة الإقليم، لا مجرد اتفاق حدود.

إن فشل المفاوضات لن يفتح جبهة حرب بقدر ما سيغلق نافذة إعادة ترتيب الشرق الأوسط على أساس “الواقعية الجديدة” التي بدأت واشنطن ترعاها، وسيعني أن المنطقة عادت إلى زمن الخرائط الجامدة، حيث لا يتحرك شيء إلا بانفجار.

ما تشهده مفاوضات سوريا مع “إسرائيل” في عام 2025 ليس مجرد حوار سلام بين دولتين، بل اختبار لإعادة ترتيب جغرافي لأمن الشرق الأوسط، فالحدود ليست خطوطا جغرافية فقط، بل “تراث نفوذ” و”بوابة تطلّع للسيادة”، فمن يسيطر على تلك الحدود يتحكّم بدرجة أقوى في النظام الإقليمي.

السلطة في سوريا اليوم تقول بأنها مستعدة لـ”محادثات مباشرة” لكنها تشترط انسحابا إسرائيليا”، و”إسرائيل” تقول إنها تسعى لمنطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، والوسيط الأميركي أو الخليجي يقيم مسارا متدرجا من الأمن إلى السلام، وليس العكس.

المنتظر ليس مجرد توقيع بل تحكّم مدروس في الأرض، يعكس أن السلام المنشود ليس حدثا مفاجئا، بل عملية منظّمة في جغرافيا النزاع.

مسار التفاوض السوري-الإسرائيلي 2025

مسار التفاوض السوري-الإسرائيلي عام 2025

الربيع 2025

محادثات غير مباشرة عبر وسطاء

الصيف 2025

تصعيد ميداني وضغط على الأرض

الخريف 2025

لقاء واشنطن ومطلب الانسحاب الإسرائيلي

مراحل التفاهم المتوقع

المرحلة الأولى

تفاهم أمني يحدد منطقة مراقبة جنوب الجولان/القنيطرة مع انسحاب رمزي للقوات الإسرائيلية

المرحلة الثانية

إطلاق مشاريع إعمار في المناطق الحدودية السورية بتمويل خليجي أو أميركي

المرحلة الثالثة

فتح باب المسار الدبلوماسي نحو تطبيع جزئي مع تأجيل قضية الجولان للحل النهائي

المرحلة الرابعة

مفاوضة شاملة حول الجولان والتعويضات أو وضعية إدارية خاصة

العوائق الرئيسية

موقف الداخل السوري

أي قيادة تقبل بتسوية أمنية قبل استعادة كاملة للجولان ستواجه انتقادات داخلية

الموقف الإسرائيلي الداخلي

عدم الاستعداد لتقديم تنازلات في الجولان دون ضمانات أمنية صلبة

التغيرات الإقليمية

أي حرب في لبنان أو عدوان إسرائيلي جديد سيوقف المسار التفاوضي

شرط الانسحاب الإسرائيلي

مطلب الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 كانون الأول يمثل حجر عثرة أمام الاتفاق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *