دمشق التي تُصغي لصدى الصواريخ
عادت دمشق مساء الجمعة 14 تشرين الثاني إلى صوت كانت تظن أنه غاب إلى غير رجعة؛ حيث دوّى صوت انفجارين متتاليين في حيّ المزة 86، أحد أكثر الأحياء اكتظاظا وأشدّها رمزية في العاصمة.
لم يكن الصوت غريبا على ذاكرة السوريين، لكنه بدا مفاجئا وسط اعتقاد بتجاوز زمن القصف، فبينما أعلنت الجهات الرسمية أنّ الانفجارات ناجمة عن صاروخين من نوع كاتيوشا أُطلقا من أطراف المدينة، لم يُعلن أي طرف مسؤوليته، تاركا وراءه أسئلة أكثر من الأجوبة.
ما جرى في المزة 86 ليس حادثا معزولا، بل مؤشرا على مرحلة جديدة من الهشاشة الأمنية التي تتشكّل في دمشق بعد مرحلة النظام السابق، فانفجار واحد في عاصمة مستقرة قد يكون حادثا جنائيا، أما صاروخان يسقطان في حيّ ذي رمزية أمنية، فهما حتما رسالة سياسية مكتوبة بلغة النار.
جغرافيا الحادث… وذاكرة المكان
حيّ المزة 86 لم يعد اليوم مجرد مجمّع سكني متشابك يطلّ على المزة كلها، بل بات مرآة دقيقة للتحولات التي تعيشها العاصمة بعد نهاية عام 2024، فالمزيج السكاني بين المدنيين والعسكريين الذي كان يوما مصدر “حصانة رمزية”، تحوّل في إلى نقطة حسّاسة في ومحاولات إعادة هيكلة الجهاز العسكري والإداري.
ومع أنّ الحيّ ما يزال يجاور مقارّ دبلوماسية وسفارات أجنبية، فإن المشهد حوله تغيّر جذريا بفعل إعادة انتشار القوى الأمنية، وعودة بعض النشاط المدني والاقتصادي إلى واجهاته.
لم تعد المزة 86 تُقرأ فقط بوصفها المكان الذي يحضن شرائح ريفية غالبيتها من الساحل (العلويين) وطلاب جامعين، بل أيضا بكونها اختبارا مستمرا لمعادلة الأمان الجديدة التي تحاول السلطة ترسيخها، وأي انفجار في هذا الحيّ لم يعد يُفسَّر فقط كخرق أمني، بل كإشارة سياسية في صراع مفتوح على تعريف “من يملك قرار الأمن في العاصمة”.
تقنيا لم يعد إطلاق صواريخ كاتيوشا من أطراف دمشق مجرد حادث أمني محدود، بل أصبح مؤشرا مركّبا على طبيعة التحوّلات في البنية العسكرية والأمنية للمدينة بعد 2024، ففي ظل الانسحابات الجزئية لبعض القوى الأجنبية، وإعادة توزيع النفوذ بين أجهزة الدولة والمجموعات شبه النظامية، غدت القدرة على تنفيذ عملية من هذا النوع دليلا على بروز فاعلين جدد يعملون في مناطق الظلّ، يتقاطعون أحيانا مع أجهزة رسمية ويعملون خارجها في أحيان أخرى.
هذا النوع من العمليات لا يمكن أن يُقرأ كفعل عشوائي أو “رسالة فردية”، بل كاختبار متعمّد لقدرة المنظومة الأمنية على الاستجابة في المرحلة الانتقالية التي تلت تفكك منظومة التحالفات التقليدية بين دمشق وحلفائها السابقين، فاختيار التوقيت، ونوع السلاح، ونقطة الإطلاق، كلها توحي بقدر من التنظيم والمعرفة الميدانية لا يتوافر إلا لجهات تمتلك خبرة عملياتية سابقة، وربما امتدادا داخل الأجهزة ذاتها.
في جوهر الأمر، ما يبدو “انفجارا محدودا” هو اختبار استراتيجي لمعادلة الأمن الجديدة في العاصمة، فهو يقيس حدود السيطرة، ويفتح الباب أمام ظهور أنماط جديدة من “العنف المرسوم” الذي يستخدم أدوات الحرب القديمة لتوجيه رسائل سياسية في واقع ما بعد الحرب.
توقيت الانفجار… سياق سياسي مضطرب
يأتي الحادث في لحظة تتقاطع فيها التحولات الداخلية والارتباكات الإقليمية؛ داخليا، تشهد دمشق ما يمكن تسميته “مرحلة إعادة الاصطفاف” بعد الانهيار التدريجي للبنية السلطوية القديمة وصعود أطراف جديدة في المشهد السياسي والعسكري، وتزداد التوترات بين الأجهزة الأمنية والميليشيات المحلية حول مناطق النفوذ والموارد.
في الخارج، تعيش المنطقة على وقع تحوّلات جذرية في موازين القوى بعد الانسحاب الكامل للوجود الإيراني من الأراضي السورية، وما تبعه من فراغ استراتيجي سعت أطراف متعددة إلى ملئه، وباتت الساحة السورية أقل ساحة مواجهة مباشرة، وأكثر مساحة تنافس استخباراتي غير معلن بين قوى تبحث عن موطئ قدم في مرحلة إعادة تشكّل الدولة.
ورغم أن السلطات السورية لم تُشر رسميا إلى أي “عدو خارجي”، فإن الخبرة التاريخية للمنطقة تجعل فرضية الرسائل المتبادلة بين القوى الإقليمية عبر وسطاء محليين احتمالا واقعيا، لا سيّما في ظل انفتاح سلطة دمشق على تفاهمات أمنية جديدة مع أطراف عربية وغربية واسرائيلية.
أما توقيت الهجوم الذي جاء بعد يومين فقط من تقارير عن تحرّكات أمنية في ريف دمشق الغربي؛ فيطرح تساؤلات حقيقية:
هل كان الانفجار ردا داخليا على إعادة توزيع السلطة والنفوذ داخل الأجهزة الأمنية، أم تحذيرا خفيا من جهة خارجية تختبر قدرة السلطة الجديدة على الحفاظ على تماسكها الأمني؟
ثالثًا: الأثر النفسي والسياسي… كسر وهم الأمان
حتى لو لم يسقط قتلى، فإن القيمة الرمزية للهجوم تفوق آثاره المادية، فدمشق التي عاشت خلال السنوات الماضية نوعًا من الهدوء المراقَب، كانت تروّج لصورتها كعاصمة استعادت “الأمن”، كعلامة على استقرار الدولة.
انفجار المزة 86 نسف هذا الخطاب دفعة واحدة، فالأمن في دمشق يشبه ستارة حريرية تخفي وراءها جدارا متصدّعا”، فالمشهد من سيارات الإسعاف وطوق أمني أعاد إلى الذاكرة الجماعية لدمشق مشاهد الحرب، وذكّر الناس بأن الأمن ليس حالة دائمة، بل ظرف سياسي متقلّب.
على المستوى السياسي، يضع الهجوم السلطة أمام اختبار مزدوج:
- اختبار السيطرة، عبر سرعة القبض على الفاعلين وطمأنة الشارع.
- اختبار السردية، أي كيف ستروي الدولة الحدث: هل هو “اعتداء إرهابي”، أم “استهداف خارجي” أو أنه خلل أمني عابر”؟
كل خيار من هذه السرديات يحمل تبعاته، فاختيار الرواية “الخارجية” يعيد فتح ملف الصراع الإقليمي على الأرض السورية، بينما الاعتراف بخلل أمني داخلي يُضعف الثقة العامة في الأجهزة الجديدة.
قراءة الدوافع المحتملة
رغم غياب إعلان رسمي من أي جهة، يمكن رصد ثلاثة مسارات تحليلية رئيسية:
- الرسالة الداخلية
من الممكن أن تكون الانفجارات نتاج صراع داخلي بين أجنحة أمنية أو ميليشيات تتنازع النفوذ في العاصمة، فإطلاق صاروخين في حي رمزي كهذا يحمل نبرة “تحذير ناعم” في القدرة على الوصول، دون التسبب بمجزرة، وهذا النوع من “العنف الرمزي” شائع في المراحل الانتقالية التي تتفكك فيها السلطة القديمة دون أن تتبلور سلطة جديدة متماسكة.
- الرسالة الخارجية
فرضية أن تكون جهة خارجية وراء الهجوم — سواء عبر وكلاء محليين أو عبر إطلاق مباشر — ليست مستبعدة. فدمشق باتت مسرحًا مفتوحًا لتصفية الحسابات الإقليمية. ومع ازدياد الحديث عن إعادة تموضع للقوات الإيرانية وانسحاب جزئي لمستشارين من مناطق معينة، فإن الانفجار قد يكون إشارة إنذار إقليمية لتذكير الجميع بأن النفوذ في دمشق لا يزال موضع نزاع.
- الفوضى العشوائية
تبقى فرضية الحوادث العرضية أو الانفجارات العشوائية قائمة في ظل انتشار الأسلحة والمخلفات العسكرية داخل المدينة ومحيطها لكن استخدام كاتيوشا، وليست قذائف يدوية أو عبوات ناسفة، يُضعف هذا الاحتمال ويعزّز فكرة الفعل المقصود.
الانفجار كمرآة لمستقبل دمشق
ما يجعل هذه الحادثة مفصلية ليس حجمها، بل دلالتها البنيوية، فالهجوم يسلّط الضوء على ثلاثة مؤشرات تشكّل ملامح المرحلة المقبلة:
- تفكّك مركز القرار الأمني:
تعدّد الجهات المسلحة وشبه الرسمية داخل دمشق جعل من الصعب تحديد مصدر أي تهديد، ولم تعد العاصمة تحت سلطة جهاز واحد بل تحت “توازن خوف” بين أجهزة متنافسة. - عودة الهشاشة إلى المشهد الأمني:
مع تراجع السيطرة المركزية، يصبح كل حدث أمني اختبارا لمتانة النظام الجديد، فحتى هجوم محدود يفتح الباب أمام موجة من الخوف، ويعيد إنتاج خطاب “المدينة المهددة”. - تآكل الثقة الشعبية:
المواطن الدمشقي اليوم يعيش بين خطاب رسمي يَعِد بالأمان، وواقع يرى فيه الانفجارات التي أعادت التوتر إلى الشارع، وكشفت أن «الاستقرار» لم يكن سوى هدنة مؤقتة.
ما وراء الانفجار… بين العجز والسيطرة
تحاول السلطة في دمشق أن تُظهر الحادث كاستثناء، لكنها في الواقع تواجه مأزقا مزدوجا، فإن بالغت في الردّ الأمني، فهي تعترف ضمنيا بوجود تهديد داخلي، وإن قلّلت من شأنه، تُتهم بالإنكار، من هذه النقطة يمكن فهم الخطاب الرسمي المقتضب والمفتوح؛ “تحقيقات جارية لمعرفة مصدر الصواريخ”، وهذه اللغة الحذرة تُبقي الباب مفتوحا أمام كل التأويلات، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن ارتباك في كيفية التعامل مع الهجمات في بيئة ما بعد الحرب.
لا يُقاس أثر انفجار المزة 86 بعدد الإصابات أو مقدار الدمار، بل بحجمه الرمزي والسياسي، حيثذكّر السوريين بأن زمن الصمت لا يعني زمن الاستقرار، وأن المدن التي نجت من الحرب ما زالت تسكنها شظاياها الخفية.
انفجارات المزة 86: رسائل نار في زمن الهشاشة الأمنية
تحليل متعمق للهشاشة الأمنية في دمشق بعد عام 2024
الدوافع المحتملة للانفجار
تأثير الانفجار على الاستقرار الأمني
الجهات المحتملة وراء الانفجار
السياق الزمني للأحداث
دمشق تعيش حالة من الهدوء النسبي بعد سنوات الحرب
بداية انسحاب القوى الأجنبية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية
انفجاران متتاليان في حي المزة 86 بدمشق
ارتفاع مستوى الهشاشة الأمنية وتآكل الثقة الشعبية
الأبعاد الاستراتيجية للانفجار
اختبار السيطرة
قياس حدود سيطرة المنظومة الأمنية الجديدة في العاصمة
اختبار السردية
كيف ستروي الدولة الحدث: اعتداء إرهابي أم استهداف خارجي؟
البعد الإقليمي
رسائل متبادلة بين القوى الإقليمية عبر وسطاء محليين
الصراع الداخلي
تنازع النفوذ بين الأجنحة الأمنية والميليشيات المحلية
الخلاصة: انفجار المزة 86 كمرآة لمستقبل دمشق
يشكل انفجار المزة 86 علامة فارقة في المرحلة الانتقالية التي تمر بها دمشق بعد عام 2024. فمن خلال تحليل الأبعاد المختلفة لهذا الحدث، يتضح أنه ليس مجرد حادث أمني معزول، بل مؤشر على تحولات بنيوية عميقة في المشهد الأمني السوري.
يكشف الانفجار عن ثلاثة تحولات رئيسية: تفكك مركز القرار الأمني، عودة الهشاشة إلى المشهد الأمني، وتآكل الثقة الشعبية في الخطاب الرسمي. هذه العوامل مجتمعة ترسم ملامح مرحلة جديدة من “العنف المرسوم” الذي يستخدم أدوات الحرب القديمة لتوجيه رسائل سياسية في واقع ما بعد الحرب.
ما يجعل هذه الحادثة مفصلية ليس حجمها المادي، بل دلالتها البنيوية التي تذكر السوريين بأن زمن الصمت لا يعني زمن الاستقرار، وأن المدن التي نجت من الحرب ما زالت تسكنها شظاياها الخفية.


يجب أن يبقى هذا الحي له رمزية وجزء من دمشق وغير ذلك خيانة لسورية وعاصمتها مكونات وحضارة وعراقة ليرحلوا عن دمشق باعة الأوطان والشعوب مكانهم مزابل التاريخ وأدوات الصهيونية والماسونية المدمرة لخدمة إسرائيل سورية لا تستحق هكذا تشويه وإزاحة خارج الحضارة والتاريخ والعراقة والمدنية ليرحلوا سورية تستحق السلام والأمن والأمان والسيادة والاستقلال وحرية القرار وتقرير المصير كفا احتلالات وتدخل بشؤونها لتقطع يد التركي والقطري والأمريكي والإسرائيلي والروسي سورية الأبجدية لن نتقبل بسرقة ابجديتها وتقديمها هدية لترامب الماسوني والتي ثمنها بملايين الدولارات ليبقى شخص مريض سلطة بالحكم