سوريا قراءة في الاتجاهات الدموية لخمس أشهر

تعيش سوريا فراغا سلطويا يتضح عبر الصورة الأمنية التي تشهدها البلاد، فعمليات القتل والخطف والتصفيات تطفو على سطح التفاصيل اليومية، بينما تهيمن روايات الإعلام والسياسة على المشهد، وتأتي الأرقام لتقدم رواية أكثر دقة، لكن أكثر رعبا أيضا، فخلال خمسة أشهر سقط على الأقل 7342 ضحية وثقهم المرصد السوري لحقوق الانسان ، منهم 5514 مدنيا، و2092 أعدموا ميدانيا في عمليات تصفية على أساس الهوية والانتماء.

  1. الاتجاهات الكبرى (Macro Trends)

كما يوضح الرسم البياني أدناه، يُسجل شهر آذار 2025 ذروة القتل بعدد 2644 قتيلًا، يليه تراجع واضح في نيسان وأيار، لكن المثير للقلق أن نسبة الإعدامات الميدانية من إجمالي القتلى في آذار بلغت 65%، أي أن السبب ليس فقط الانفلات الأمني، بل هناك نمط من “القتل المنظم”.

استهداف منهجي للمدنيين

من أصل 7342 ضحية، كان75%  منهم مدنيين، وهو نمط غير معتاد حتى في الحروب الأهلية، حيث تميل النسب إلى التساوي أو إلى تغلب الضحايا العسكريين، ما يشير إلى أن ما حدث لم يكن مجرد نتيجة اشتباكات، بل عملية تصفية اجتماعية.

  • الارتباطات السببية والمحتملة

يرتبط شهر آذار بحدث فارق: هجمات في الساحل السوري طالت بعض حواجز “الأمن العام”، فهناك علاقة سببية مباشرة بين هذه الهجمات وارتفاع عدد الإعدامات في الشهر ذاته (1726 حالة).

العلاقة بين الإعدامات والانفلات الأمني

بين كانون الثاني وآذار، تسير الإعدامات الميدانية والضحايا المدنيين بخطين متوازيين، أما بعد ذلك، فإن الإعدامات تنخفض بشدة (75 في نيسان، 16 في أيار)، ما يُعزى إلى:

  • بداية استقرار أمني جزئي.
  • ردود فعل دولية أو محلية رادعة.
  • تشبع دوائر الانتقام من ما يسميهم الأعلام الرسمي بـ”فلول النظام”.
  • فجوات وتحريفات ممكنة في البيانات

رغم ورود أرقام دقيقة للضحايا بحسب الجنس والعمر، إلا أن النسب لا تعكس تركيبة المجتمع السوري، 260 طفلا خلال 5 أشهر تمثل فقط 4.7% من المدنيين القتلى، وهي نسبة منخفضة نسبيا، هل هذا نتيجة استهداف ممنهج للذكور البالغين؟ أم خلل في الإبلاغ والتوثيق؟

البيانات أيضا لا تبيّن توزع القتلى على المحافظات، مما يحدّ من القدرة على إجراء تحليل سببي دقيق يربط العنف بطبيعة الحكم المحلي أو وجود ميليشيات بعينها.

السرد البياني: القتل كأداة سياسية

يُظهر تحليل الإعدامات الميدانية أن سقوط النظام السياسي لم يؤدِ إلى انفجار عشوائي فقط، بل إلى تصفية انتقائية للأفراد على أساس طائفي أو سياسي، ما يعكس محاولات إعادة تشكيل البنية الاجتماعية بالقوة، أو تنفيذ شكل من “العدالة المقلوبة” بلا قضاء.

  • الاستنتاجات والتوصيات
  • هناك نمط من العنف الممنهج، تجاوز الانفلات إلى التصفية المجتمعية.
  • الفاعلون بعد النظام أعادوا إنتاج أدواتهم الأمنية دون مساءلة.
  • شهر آذار كان نقطة تحول؛ العنف فيه كان مخططا أو مدفوعا من فاعلين محليين.
  • المدنيون هم الخاسر الأكبر في مرحلة التي الخضعت للدراسة، خاصة الذكور البالغين.

عندما تكذب البنادق وتتكلم البيانات

بينما ينشغل العالم بالنقاش حول من يحكم سوريا، تسرد لنا الأرقام السابقة قصة أخرى عن مجتمع يتمزق من الداخل على مرأى العالم، فسوريا الجديدة لا تبدأ بالدساتير، بل تبدأ بإحصاء صادق للضحايا، وتسمية القتلة، أياً كانت الراية التي يرفعونها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *