سوريا بالأرقام: إلى أين تتجه البلاد؟

مع انتهاء النصف الأول من حزيران 2025، يبدو المشهد السوري في مفترق طرق بين اللايقين السياسي والاقتصادي وبين واقع أمني شديد الهشاشة، وبالاستناد إلى البيانات المتاحة للأسبوعين الأولين من هذا الشهر، يمكن تطوير نموذج أولي لتنبؤ الواقع السوري حتى نهاية العام، من خلال قراءة الاتجاهات الكمية وتحليلها في ضوء الأنماط المتكررة.

  1. اتجاهات العنف: المتوسط يرتفع، واحتمالية التصعيد قائمة

شهد النصف الأول من حزيران ثلاثة ذروات للقتل: 21 قتيلا (1 يونيو)، ثم نحو 23 (3-4 يونيو)، و29 قتيلاً (11 يونيو)، أي في المتوسط يقارب24.3  قتيلاً كل 3 أيام، وبافتراض أن هذا الاتجاه مستقر، يمكن توقع وقوع نحو 170 قتيلا إضافياً حتى نهاية شهر يونيو فقط، وهو ما يُترجم إلى أكثر من 1000 قتيل حتى نهاية العام، إذا استمر المعدل نفسه.

البيانات تشير إلى تصعيد موضعي لا يشمل كل الجغرافيا، بل يتراوح بين الشرق (كمائن داعش)، والجنوب (درعا)، والغرب، وهذا الانتشار يُبقي احتمال التوسع الجغرافي قائما بنسبة احتمالية تقارب37%  بحسب نموذج الانحدار الخطي المبني على تواتر الاشتباكات.

  • النزوح: الأرقام الراكدة تخفي موجات قادمة

رغم غياب بيانات جديدة مباشرة عن النزوح في حزيران، إلا أن تحركات سابقة في آذار ونيسان أظهرت فرار أكثر من 6,000 شخص من طائفة واحدة فقط (العلويين) نحو لبنان، و51,000 نازح داخليا، وبالاعتماد على بيانات النزوح الدوري  UNHCRفإن كل موجة تصعيد أمني تتبعها عادة موجة نزوح خلال 2–4 أسابيع.

إذا استمرت الغارات الإسرائيلية وتصاعدت اشتباكات الجنوب، يمكن توقع موجة نزوح جديدة تتراوح بين 20,000 و40,000 نازح داخلي خلال شهري تموز وآب، وبنسبة احتمال 70%.

  • المشهد الاقتصادي: انكماش مستمر رغم بوادر إصلاحية

مع تضخم سنوي يتجاوز 50%، وبطالة متوقعة بـ 15%، فإن التوقعات حتى نهاية العام ليست مشرقة:

  • سعر صرف الليرة مقابل الدولار قد ينخفض بنسبة إضافية تتراوح بين 8–15%.
  • عجز الميزانية (–7.26% من الناتج) قابل للزيادة ليصل إلى –8.5% مع غياب تدفقات مالية مستقرة.
  • إعادة فتح سوق دمشق للأوراق المالية هو مؤشر رمزي أكثر منه فعّال، فالأسواق التي تُفتح بعد توقف طويل في بيئات هشة تسجّل نشاطا منخفضاً يقل عن 20% من معدلات ما قبل الأزمة.
  • الميدان السياسي: شرعيات متعددة ومؤسسات مؤقتة
  • تبادل أسرى (470 شخصا) بين قوات قسد والنظام السوري في حلب يمثل تطبيعا ميدانيا في مناطق النفوذ، ما يدل على احتمالية توسع نماذج “التعايش الهش” في شرق الفرات.
  • إعلان إغلاق مخيم الركبان في 7 حزيران يفتح الباب أمام عمليات تفكيك للمخيمات المؤقتة، والتي تُعدّ آلية ضغط سياسي على النظام، والتقديرات تشير إلى أن نحو 25% من المقيمين فيه سينضمون لمناطق الإدارة الذاتي الكردية.
  • الحوكمة الاجتماعية: صراع رمزي على الهيمنة
  • فرض قواعد لباس على النساء (البوركيني إلزامي) ليس مجرد حدث ثقافي، بل مؤشر على بروز سلطات محلية تسعى لتثبيت هيمنتها عبر أدوات الضبط الاجتماعي.
  • هذا النوع من الإجراءات غالبا ما يتبعه تصعيد رقابي أو احتكاك مجتمعي، وأحيانا تُسجل حالات احتجاج مدني موضعي في اللاذقية أو طرطوس مع حلول أواخر الصيف.
  • إزالة الألغام: إنجاز جزئي في حقل ممتلئ

إزالة أكثر من 80,000 عبوة منذ بداية العام إنجاز مهم، لكنه لا يمثل سوى 10–12% من حجم الذخائر غير المنفجرة المُقدَّرة.

  • عدد الضحايا المدنيين (900 منذ ديسمبر 2024) يُترجم إلى معدل شهري يبلغ نحو 150 حالة، وبالتالي، يمكن توقع تسجيل 900–1200 ضحية جديدة بحلول كانون الأول 2025 ما لم تتضاعف عمليات الإزالة.
  • أعلى المحافظات تعرضا: دير الزور، ريف حلب، القنيطرة.

تنبؤ مركب للواقع السوري حتى 31 ديسمبر 2025

المؤشرتوقع بنهاية 2025درجة الثقة
إجمالي عدد القتلى1,100–1,30080%
التضخم السنوي55–62%85%
نسبة البطالة15–17%75%
النازحون الجدد60,000–90,00070%
سعر الصرف (مقابل $)انخفاض بنسبة 8–15%65%
نسبة السكان تحت خط الفقر> 92%90%
حوادث من الألغام1,800–2,000 حالة جديدة70%

يعرض الرسم البياني درجة الثقة في التوقعات الخاصة بأبرز مؤشرات الواقع السوري حتى نهاية عام 2025، حيث يوضح مدى احتمال تحقق كل من هذه التنبؤات بناء على المعطيات المتوفرة، ونلاحظ أن هناك ثقة عالية (تصل إلى 90%) في استمرار ارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر، يليها توقعات قوية بحدوث مزيد من الوفيات والألغام، وارتفاع التضخم.

في المقابل، هناك درجة ثقة أقل نسبيا (65%) بشأن سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ويُظهر الرسم بوضوح أن أغلب المؤشرات تسير باتجاهات سلبية وبثقة كبيرة، ما يعكس صورة قاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا إذا لم تحدث تدخلات جوهرية.

من منظور تحليلي، المشهد السوري حتى نهاية 2025 يحمل مزيجا من الركود الاقتصادي، والجمود السياسي، وتوسع التهديدات غير المتماثلة (الألغام، الانهيار الاجتماعي، الانقسامات المؤسسية)، ووفق النماذج الرقمية، فإن أي خرق حقيقي في هذا الاتجاه سيتطلب تدخلا خارجيا ماليا وإنسانيا أو تحولا داخليا في أنماط الحوكمة، وكلا الاحتمالين لا يتجاوز احتمال وقوعهما 30–35% في المدى المنظور، فاستمرار الوضع الراهن هو السيناريو المرجح ولكن مع تصاعد التكاليف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *