الضربات الأمريكية لإيران تكشف السر: ما وراء التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة

في عالم السياسة العالمية، لا شيء يحدث صدفة، فحين قررت الولايات المتحدة شنّ ضربات دقيقة على منشآت نووية إيرانية، بدا الأمر في ظاهره “رداً على التهديدات الإقليمية”، لكن العمق السياسي لهذه الضربات تجاوز  اعتبارات أي قرار عسكري؛ وكانت رسالة مشفّرة، بتوقيع مزدوج من البنتاغون وتل أبيب.

منذ عقود، شكل التحالف بين “إسرائيل” والولايات المتحدة حجر الزاوية في النظام الجيوسياسي الجديد، وتجلّى ذلك بوضوح في كل أزمة كبرى تعصف بالشرق الأوسط، لكن الضربات الأخيرة على إيران تكشف عن تحول نوعي في ديناميكية هذا التحالف، وتحول لا يتعلّق فقط بالأمن أو المصالح، بل بنمط جديد من “الاندماج العميق” بين الرؤية الأمريكية للمستقبل وهيمنة المشروع الصهيوني.

أمريكا لا تضرب من أجل أمنها فقط… بل من أجل إسرائيل

الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت تخصيب اليورانيوم ومراكز بحث نووي في طهران وأصفهان لم تكن مجرد ضربة استباقية لمنع إيران من الوصول إلى “العتبة النووية”، بل كانت عملا وظيفيا يخدم استقرار “التفوق الإسرائيلي” في المنطقة، السؤال من يحدد الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية؟ هل هي المؤسسات الوطنية الأمريكية، أم جماعات الضغط المرتبطة بـ”إسرائيل” داخل مراكز القرار في واشنطن؟

اللوبي الصهيوني: يد خفية أم سلطة معلنة؟

منذ مطلع السبعينات، وخصوصا بعد تأسيس لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، بدأت ملامح ما يمكن تسميته “بالدولة العميقة المؤيدة لإسرائيل” تتشكل في قلب النظام السياسي الأمريكي؛ في عهد كل رئيس أمريكي، من كارتر إلى بايدن، بقيت “إسرائيل” الثابت الوحيد في المعادلة الخارجية الأمريكية.

الضربات الأخيرة على إيران لم تكن استثناء من هذا النمط، بل كانت مثالا صارخا على أن الأولوية العليا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي أمن “إسرائيل”، ولو كان الثمن زعزعة الاستقرار الإقليمي وفتح جبهات صراع جديدة.

لماذا إيران بالتحديد؟

في المنظور “الإسرائيلي”، إيران ليست مجرد دولة إسلامية معارضة، بل هي القوة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك القدرة على قلب ميزان الردع، و “إسرائيل” تعتبر البرنامج النووي الإيراني تهديدا وجوديا. وبدلا من مواجهة هذا التهديد مباشرة، تفضل تل أبيب أن تقوم واشنطن بالمهمة القذرة.

من هنا نفهم لماذا تم الضغط بشدة على الإدارة الأمريكية، سياسيا وعسكريا، لاتخاذ القرار بالضربات الأخيرة. الرسائل المسربة من البنتاغون توضح أن “إسرائيل” قدمت معلومات استخباراتية حساسة دفعت الولايات المتحدة لتبني خيار الهجوم كأمر واقع.

دور المحافظين الجدد وصعود التحالف الديني-السياسي

من الخطأ قراءة العلاقة بين “إسرائيل” وأمريكا من منظور المصالح فقط، فهناك تحالف أيديولوجي وثقافي راسخ، خصوصا بين التيار الإنجيلي المسيحي في أمريكا والمشروع الصهيوني؛ هذا التحالف يؤمن بأن دعم “إسرائيل” هو “واجب ديني” لتحقيق نبوءات توراتية عن “نهاية الزمان”، وهنا يتحول القرار العسكري الأمريكي إلى تعبير عن قناعة لاهوتية، لا فقط جيوسياسية.

ما الذي تكشفه الضربات عن مستقبل المنطقة؟

  1. تقويض أي توازن ردع: إيران، بعد هذه الضربات، لن تكون قادرة على تحقيق اختراق في برنامجها النووي دون مخاطر كبيرة. وهذا يريح “إسرائيل”.
  2. رسالة إلى الحلفاء: الدول العربية، خصوصا الخليجية، تلقت الرسالة بوضوح بأن أمريكا مستعدة لاستخدام القوة لحماية “إسرائيل”، وليس لحماية حلفائها التقليديين.
  3. تمهيد لتطبيع أوسع: فبعد كبح إيران، ستُدفع دول عربية أكثر نحو التطبيع مع “إسرائيل” تحت مظلة “الردع الأمريكي المشترك”.

هل فقدت واشنطن استقلالية قرارها؟

إذا كانت السياسة الخارجية الأمريكية تتماهى بهذا الشكل مع “أجندة إسرائيل”، فهل يمكن القول إن أمريكا فقدت استقلال قرارها السيادي في الشرق الأوسط؟ هنا لا بد من الإشارة إلى ما يسميه بعض المحللين “إسرائيل الكبرى”، ليس فقط ككيان جغرافي، بل كشبكة نفوذ تشمل مراكز إعلامية، اقتصادية، وأمنية داخل العمق الأمريكي.

في هذا السياق، تصبح الضربات الأمريكية على إيران ليست قرارا سياديا، بل تنفيذا لقرار “إسرائيلي” بوسائل أمريكية.

إيران ليست الضحية الوحيدة

حين تنفذ الولايات المتحدة ضربات بهذا الحجم والوضوح، فإنها تؤسس لنموذج خطير في العلاقات الدولية؛ من يمتلك القدرة على التأثير في القرار الأمريكي، يمتلك القوة الفعلية لتشكيل مستقبل العالم، ولأن “إسرائيل” أثبتت قدرتها على اختراق المؤسسات الأمريكية، فإن دولا مثل روسيا والصين تنظر اليوم إلى المشهد بتوجس عميق.

الضربات كانت مجرد بداية

في ضوء ما تقدم، فإن الضربات الأمريكية على المنشآت الإيرانية كانت أكثر من عمل عسكري؛ كانت إعلانا رمزيا عن انتقال التحالف الأمريكي “الإسرائيلي” من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاندماج الكامل في القرار والاتجاه.

إيران سترد، وربما تتسع رقعة المواجهة، لكن الأهم هو أن العالم أصبح الآن يدرك أن العلاقة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة ليست تحالفا تقليديا، بل مشروعا استراتيجيا يعيد رسم حدود الشرق الأوسط ووظيفة الدول فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *