الانتخابات التشريعية السورية 2025: تراجع تمثيل النساء واختبار التحول السياسي

لم تكن انتخابات الخامس من أكتوبر 2025 في سوريا حدثا اعتياديا في برنامج سياسي عابر، بل لحظة اختبار كبرى لمدى قدرة البلاد على ترجمة التحول السياسي إلى ممارسة ديمقراطية فعلية، فالعملية التي رُوّج لها باعتبارها خطوة تأسيسية نحو برلمان جديد، كشفت منذ بدايتها هشاشة البنية التي تستند إليها شرعية المرحلة الانتقالية.

وراء الشعارات التي تحدّثت عن “ميلاد مؤسسات دولة جديدة” و”فتح المجال أمام المشاركة الوطنية”، برزت وقائع مغايرة عبر نظام انتخابي غير مباشر، وتمثيل نسائي في أدنى مستوياته منذ عقود، وتأجيل التصويت في محافظات محورية بدواعي أمنية وتنظيمية، وبدت صناديق الاقتراع آلية لإعادة ترتيب موازين القوى تحت مظلة الخطاب الإصلاحي.

هذه الانتخابات، التي حملت وعودا كبرى بالتحول، أظهرت في تفاصيلها الدقيقة أن التغيير السياسي لا يُقاس بما يُعلن من بيانات، بل بما يُترجم في نسب المشاركة، والتمثيل، والقدرة على بناء مؤسسات تُعبّر عن المجتمع لا تُدير صورته.

لهجة الانتقال: الانتخابات كمشهد أكثر من فعل ديمقراطي

منذ انهاء النظام السياسي السابق في كانون الأول 2024، وُضِعت سوريا استحقاق مختلف تماما عن السياق التاريخي منذ الجمهورية الأولى، فالانتخابات التشريعية التي جرت أمس تمّت وفق نظام مؤقت، غير مباشر، يُديرها مجلس انتقالي ورئيس قادر على التعيين المباشر لثلث المقاعد.

ثلث البرلمان (70 مقعدا من أصل 210) بحسب هيئة الانتخابات، سيُعين من قِبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، بينما يُنتخب الثلثان الآخران عبر هيئات انتخابية محلية مكوّنة من حوالي 6,000 مُنتخب من “الهيئات الانتخابية” الفرعية.

تبتعد هذه الانتخابات عن مفهوم التصويت الشعبي المباشر، وتُقترب أكثر إلى صيغة مؤتمرات اختيارية داخل نخبة سياسية لا تزال تسيطر على المفاصل الانتقالية، والسبب الرسمي هو تعذّر إعداد سجلات انتخابية موثوقة بعد سنوات الحرب، لكن الحقيقة أن هذا التبرير يخدم النخبة القائمة.

الغائب الأكبر من هذه المعادلة هو المواطن، الذي لم يُمنح حتى الآن حق اختيار ممثليه مباشرة، والانتخابات تحولت إلى طقس شكلي لتعزيز شرعية المرحلة الانتقالية، لا أداة حقيقية للنهوض بمشاركة سياسية حقيقية.

الأرقام تكشف: النساء بين الأمس واليوم

في قلب الأرقام الجافة تختبئ الحقيقة السياسية الأوضح؛ فموقع المرأة في المجلس الجديد ليس مسألة رمزية، بل مرآة لمسيرة البلد نحو انتقال ديمقراطي فعلي، أم نحو إعادة تجميلٍ لبنية السلطة نفسها.

  • التمثيل النسائي قبل 2025: مؤشر قائم

في مجلس الشعب الذي انتُخِب في يوليو 2024، كان عدد المقاعد 250 مقعدا، وشغلت النساء 24 مقعدا، أي نحو 9.6٪ من التمثيل البرلماني، وبعض المصادر الحكومية أو النسائية تتحدث عن أن التمثيل النسائي في الانتخابات السابقة وصلت إلى 10.4% ، أما قواعد بيانات الاتحاد البرلماني فتشير إلى 9.6%

بعض الدراسات توقّعت أن الحكومة أثناء النظام السابق كان لديها طموحات لرفع التمثيل إلى 13%، لكنها لم تصل إلى ذلك، ومعيار التمثيل النساء في البرلمانات عالميا يبلغ عادة ما بين 20–30% أو أكثر.

  • حصيلة انتخابات 5 أكتوبر 2025: تراجع مفاجئ

في النتائج الأولية التي نشرتها وكالة رويترز، وُثقت عدد النساء المنتخبات عبر الانتخابات المباشرة (أي ضمن المقاعد التي فاز بها أعضاء الهيئات الانتخابية) هو فقط 6 نساء، كما أشار التقرير إلى أن 4 منهن ينتمين إلى الأقليات الدينية، وواحدة منهن من الأقليات العرقية .

عدد المقاعد التي نُفّذت الانتخابات عليها كان 119 مقعدا (من أصل الـ 140 المقرّر انتخابها، إذ إن بعض المحافظات أُجلت الانتخابات)، أي أن النساء فزن فقط بـ 5% من المقاعد المُنتخبة، وهذا الرقم أقل من نصف نسبة 9.6% التي كان يحتلها النساء في البرلمان السابق وهو تراجع صادم.

يمكن أن تغيّر التعيينات الرئاسية (70 مقعدا) من هذه النسبة، لكن إلى الآن لا توجد معلومات رسمية دقيقة عن عدد النساء المعينات، وما إذا كانت تلك التعيينات ستعوض الفجوة أم تكرّس التراجع.

تفسير التراجع: ما بين الإقصاء والتلاعب البنيوي

لم يكن تراجع التمثيل النسائي صدفة، بل نتاج تصميم سياسي وجذور مؤسسية، ويظهر عبر الآليات السياسية التي يمكن ملاحظتها عبر النقاط التالية:

  • الهيئات الانتخابية والنخب المغلقة

منذ اللحظة التي اختيرت فيها الهيئات الانتخابية (حوالي 6,000 شخص من الخبراء والشخصيات المحلية)، تمّت المعالجة تحت سقف التحقق المركزي، فمنافسة المرأة أمام هذه الهيئات محكومة بشروط مسبقة: هل تم إشراك نساء في هذه الهيئات بفعالية؟ هل تُرك لهنّ فرصة حقيقية للترشح أمامهنّ؟ التقارير تُشير إلى أن بعض الدوائر لا تضم أكثر من 10% من النساء في قوائم المرشحين، وأن هناك تفاوتا كبيرا في تمثيل النساء بين المحافظات، فالانتخابات لم تُجرَ في فضاء مفتوح، بل في فضاء يُدار بمصفاة مركزية.

  • فترات الطعن القصيرة وضغط الزمن

أحد الانتقادات البارزة التي أوردها مراسلو رويترز هي أن فترة الطعن كانت ضيقة جدا، واعترض بعض المراقبين على أن هذا الحدّ الزمني قلّص فعليا قدرة النساء (والمرشحين عموما) على تقديم اعتراضات أو مراجعة النتائج.

في سياق عمليات انتخابية جديدة هناك ضرورة لوجود وقت إضافي للمناورة، فالقصور الزمني يضرب هوية المجموعات النسائية داخل كأحزاب أو مرشحات مستقلات

  • تأجيل بعض المحافظات وفصل الأقليات

الانتخابات في محافظات مثل الحسكة والرقة والسويداء تم تأجيل العملية الانتخابية تأجلت بسبب ظروف أمنية، ما عطّل تمثيل مناطق تضم أعدادًا كبيرة من النساء، وهذا التأجيل أفرغ بعض المقاعد أو تركها شاغرة (حوالي 21 مقعدا).

أي برلمان يقصي مناطق ذات كثافة نسائية أو يماطل في ضمّها، يفقد مصداقية النسبة التمثيلية.

  • استبعاد آلية “الكوتا” الحزبية

في النظام القديم كانت قوائم الأحزاب تُوفّر بُنية احتواء نسائية، وفي النموذج الانتقالي، الأحزاب مُلغاة أو مُعلّقة، والمرشحون يُتنقلون كـ”مستقلين”، وهذا الفقدان لآلية تنظيم مؤسساتية للنساء أضعف قدرتهن على التنسيق والتنافس.

دلالات رمزية ومخاطر استراتيجية

هذا التراجع في التمثيل النسائي ليس خطأ فنيا؛ إنه إشارة قوية إلى أن المشروع السياسي الحالي لا يَنْظر إلى النساء كشركاء في بناء سوريا الجديدة، بل كمشاهدين في هامش العملية، وإذا اختارت التعيينات أن تكون مكمّلة للتوازن السياسي بدل التصحيح النوعي، فإن البرلمان سيُفقد كثيرا من شرعيته.

الأمر الأسوأ أن هذا التراجع يُغذي شعورا عميقا بالاستبعاد بين نساء سوريا، اللاتي شهدن دورا بارزا في دعم مجتمع الحرب والتعافي، لكنهن الآن يُستبعدن من ساحة القرار التشريعي.

ماذا لو فازت التعيينات بـ quota؟

الحل النظري الذي يمكن أن يُنقذ الموقف هو أن تضمن التعيينات الرئاسية تعويضا كبيرا للنساء، فإذا افترضنا مثلا أن من أصل 70 مقعدا معينا، وُزعت نسبة 30–40% للنساء (أي 21–28 امرأة)، عندها سيحصل البرلمان على ما بين 27 امرأة إلى 34 امرأة، أي ما بين 12.9% و 16.2% من إجمالي المقاعد.

هذا سينقل النسبة من 5% في المقاعد المُنتخبة إلى ما يُقارب 12.9% أو  16.2% وهي نسبة قريبة أو تفوق ما كان عليه البرلمان السابق (9.6%)، لكن حتى الآن لا توجد أي مؤشرات تؤيد أن التعيينات ستدخل هذا الحساب العددي.

بين الشعارات والفعليات

الانتخابات التشريعية في سوريا ليست مجرد تحول في مؤسسات الدولة، بل اختبار لمدى صدقية الانتقال السياسي، ومن منظور تمثيل النساء، فإن النتيجة مخيبة للآمال، فهناك تراجع كبير في الفعل الانتخابي وغياب وضوح في التعيينات.

إذا كانت هذه الانتخابات تُريد أن تحمل معنى، فعلى السلطة الانتقالية أن تبرهن أنها قادرة، ليس فقط على إحداث تغيير رمزي، بل على إعادة بناء النظام السياسي على أسس شاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *