لم تكن ساعات السادس من تشرين الأول يوما عاديا في سوريا.
منذ الصباح، كانت البلاد على موعد مع يوم تتقاطع فيه الجبهات، وتتقابل فيه الذاكرة بالحرب، والسياسة بالميدان، وكأن سوريا تعيد كتابة مشهدها بمداد الفوضى والانتظار.
الفجر: نفيٌ وتكذيب… شرق سوريا على حافة القلق
بدأ اليوم من الشرق، حيث سرت شائعات عن قصف تركي على الرقة.
لكن مراسلي القنوات المحلية سارعوا إلى النفي: لا غارات، ولا مسيّرات في سماء المدينة.
الهدوء النسبي في الرقة قابله توتر متصاعد في ريف حلب الشرقي، عند دير حافر، حيث تجددت الاشتباكات بين قوات وزارة الدفاع وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في مشهد بات مألوفا من تناوب السيطرة والاتهامات.
وفي المقابل، كانت وزارة الدفاع السورية الرسمية تنفي بدورها ما وصفته بـ”مزاعم قسد” حول استهداف الأحياء السكنية، معتبرة أن الأخيرة “تسعى لتضليل الرأي العام وتغطية انتهاكاتها بحق المدنيين”.
نفيٌ يقابله اتهام، واتّهامٌ يولّد اشتباكا جديدا؛ وتحول الميدان في سوريا إلى ساحة تُعبر فيها السياسة بالرصاص قبل الكلمات..
قبل الظهر: السياسة تطرق الأبواب من بيروت
في الساعة التاسعة والنصف صباحا، خرج نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري من اجتماع في دمشق ليعلن عن تقدّمٍ في ملفين شائكين:
قضية السجناء اللبنانيين في سجن رومية، وعددهم نحو 2500 شخص، وملف المفقودين من الجانبين السوري واللبناني، مع تأكيد قرب توقيع مذكرة تفاهم مشتركة.
متري قال بوضوح: “الثقة بين الطرفين موجودة، ونحن لا نعمل بروح المقايضة.”
تصريحات متري بدت كأنها نغمة نشاز وسط طبول الحرب في الشمال، لكنها كشفت رغبة متبادلة في إعادة إحياء العلاقات السورية اللبنانية، ولو عبر ملفات إنسانية مؤلمة.
منتصف النهار: السماء تضجّ بالحركة
بينما كانت حلب تستعيد أنفاسها بعد ليل مضطرب، دوّى انفجار خافت على أطراف حيّ الأشرفية، تبيّن لاحقاً أنه لغم أرضي انفجر داخل حديقة عامة، لكن ما بدا حادثا معزولا، كان مقدّمة ليوم دموي طويل.
في الوقت ذاته، حلّقت طائرات “إسرائيلية” في أجواء ريف حماة الشرقي، كما أفادت مصادر ميدانية في القنيطرة عن إطلاق نار من قبل قوات الاحتلال “الإسرائيلي” باتجاه مزارعين في جباتا الخشب، ما اضطرّهم لمغادرة أراضيهم.
أما في طهران، فاختارت وزارة الخارجية الإيرانية نغمة مختلفة:
“العلاقات السورية مع الدول الأخرى شأن سيادي سوري”، حسب بيان رسمي، مؤكدة أن “مستقبل سوريا يجب أن يقرّره شعبها بعيدا عن التدخلات الأجنبية.”
تصريح بدا موجها ضمنا إلى أنقرة وواشنطن معا.
العصر: حلب تغلي… والميدان يشتعل
الساعة تقترب من السابعة مساء، والأخبار تتوالى:
قوات وزارة الدفاع تغلق كافة الطرق المؤدية إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية داخل حلب، وتمنع الحركة المرورية.
في اللحظة ذاتها، بدأت تجمّعات احتجاجية واسعة من الأهالي العالقين خارج الحيين، يهتفون ضد الإغلاق، ويطالبون بفتح الطرق أمام المدنيين.
بعد ساعة واحدة فقط، تحوّلت الاحتجاجات إلى توتر أمني متصاعد، مع انتشار حشود عسكرية كبيرة تابعة للقوات الحكومية عند مداخل الأحياء.
بحلول الثامنة والنصف، تأكّد اندلاع اشتباكات مباشرة بين القوات الحكومية وقسد، تخللتها قذائف مدفعية، وسقوط ضحايا من المدنيين.
موجات من النزوح بدأت تظهر، والمدارس أعلنت تعليق الدوام ليوم الثلاثاء.
أُطفئت أنوار حلب مبكرا، بعد انقطاع الكهرباء عن بعض أحيائها، وفرض حظر تجول غير معلن.
الليل: روايتان، وحصار واحد
أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية بيانا قالت فيه إن “تحركاتها تأتي ضمن خطة لإعادة الانتشار بعد اعتداءات قسد”، مؤكدة التزامها بـ”اتفاق العاشر من آذار” وعدم نيتها لأي عمليات هجومية.
لكن في المقابل، نشر المركز الإعلامي لقسد بيانا اتهم فيه القوات الحكومية بفرض “حصار خانق” على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وشنّ “هجمات بالدبابات والمدفعية على الأحياء السكنية”، محمّلا دمشق المسؤولية الكاملة عن سقوط الضحايا.
لم تمر ساعات حتى أعلن مراسلو الميدان توقف الاشتباكات مؤقتا وعودة الهدوء الحذر، إلا أن أصوات القذائف في أطراف المدينة ظلّت تذكّر السكان بأن الحرب لم تنتهِ بعد.
في العمق: خلفية سياسية وذاكرة وطنية
بينما كانت المعارك تتصاعد في الشمال، كان المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا يُصدر بيانا بمناسبة ذكرى حرب تشرين التحريرية، يندد بمحاولات “طمس الذاكرة الوطنية” ويصفها بـ”محاولات بائسة لتشويه التاريخ”.
البيان بدا أكثر من مجرد احتفاء رمزي؛ إنه رد سياسي على تغييب الرموز الوطنية في مناطق السيطرة المختلفة، وإشارة إلى معركة الذاكرة التي ترافق الحرب الميدانية.
على الضفة المقابلة، استمرت الإدارة الذاتية عبر مسؤوليها في التحذير من “خطة تركية لإشعال مواجهة واسعة”، داعية الدول العربية إلى دعم الحوار الوطني وتنفيذ اتفاق 10 آذار.
وفي واشنطن، كان المبعوث الأمريكي توم براك يجري زيارة إلى شمال شرق سوريا، حيث التقى القائد العام لقسد مظلوم عبدي، في خطوة فُسرت بأنها رسالة دعم سياسية وعسكرية للإدارة الذاتية في وجه التصعيد الحكومي.
جنوبا: صوت السلاح لا يصمت
في الجنوب السوري، لم يكن الوضع أفضل حالا.
في حمص، أُصيب مواطن بجروح خطيرة بعد إطلاق النار عليه من قبل مسلحين على دراجة نارية في حي وادي الذهب.
وفي السويداء، أبلغت مصادر محلية عن أصوات اشتباكات على أطراف المدينة، قالت إنها نتيجة تعامل قوات الحرس الوطني مع “خرق للهدنة” في مناطق سيطرة مسلحي العشائر.
القضاء في مهبّ الولاءات
على صعيدٍ آخر، كشفت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عن استحداث السلطات الانتقالية منصبا جديداً تحت اسم “رئيس العدلية” أو “الشيخ”، يحظى بصلاحيات واسعة داخل المنظومة القضائية “من دون أي سند قانوني”.
المنظمة اعتبرت القرار “هدما لقانون السلطة القضائية” ودعت إلى إلغائه فورا، مشيرة إلى أن التعيينات في هذا المنصب تعتمد على “الولاء والانتماء السابق لهيئة تحرير الشام”.
ختام اليوم: حين يتقاطع التاريخ بالدم
مع حلول منتصف الليل، كانت هدأت حلب نسبيا، لكن رائحة البارود لم تغادر شوارعها.
وفي الوقت الذي كان السوريون يتبادلون الذكريات عن حرب تشرين التحريرية قبل أكثر من نصف قرن، كانت مدافع جديدة تكتب على جدران المدينة مشهدا مغايراً.. تشرين آخر، بلا نصر ولا هزيمة، بل انتظار طويل لهدوء لا يأتي.
البلاد بدت كما لو أنها تعيش بين حربين:
إحداهما في الذاكرة، والثانية على الأرض.
وفي المسافة بينهما، يقف السوريون عالقون بين الحصار والحنين، وبين الانقسام والبحث عن وطنٍ لم يعد يعرف أين يبدأ ولا أين ينتهي.
في يومٍ واحد، تنقّلت سوريا بين الإنكار العسكري، والمواجهة الميدانية، والتجاذب السياسي، والتلاعب بالرموز الوطنية.
حلب كانت مرآة لبلدٍ منقسم على ذاته، ومرهقٍ بتعدد السلطات، وذاكرةٍ تحاول النجاة من النسيان.
تطورات يوم 6 تشرين الأول 2025 في سوريا
انفجار لغم أرضي في حي الأشرفية – حلب
وقع الانفجار داخل حديقة على خط التماس بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية دون وقوع ضحايا.
إغلاق الطرق المؤدية إلى الشيخ مقصود والأشرفية
قوات وزارة الدفاع تغلق المداخل وتمنع الحركة المرورية وسط توتر شعبي واحتجاجات.
اندلاع اشتباكات عنيفة في حلب
تبادل قصف مدفعي بين قوات وزارة الدفاع وقوات سوريا الديمقراطية وسقوط ضحايا مدنيين.
نزوح الأهالي وإغلاق المدارس
نزوح جماعي من الشيخ مقصود والأشرفية وتعليق الدوام المدرسي في معظم مدارس المدينة.
قصف مدفعي وقطع الكهرباء
انقطاع التيار الكهربائي عن أحياء الأشرفية والشيخ مقصود تزامناً مع استمرار القصف.
إصابات بالرصاص العشوائي
تقارير عن إصابة مدنيين برصاص متبادل بين الطرفين في مناطق التماس داخل المدينة.
عودة الهدوء الحذر
توقف الاشتباكات مؤقتاً في حلب وبدء اتصالات لاحتواء الموقف بين الأطراف.