أنواع الموت الصامت في سوريا: عشرون وجها للفناء في زمن الانهيار

في سوريا، لا يحتاج الموت إلى جبهة قتال واضحة، ففي الثالث من آب، سجّلت منصات رصد الحالة السورية عشرين حالة وفاة متفرّقة، تنوّعت أسبابها ما بين الاشتباكات المسلحة، والاغتيالات الغامضة، والانتحار تحت التعذيب، ورصاص الطائش، وحتى عمليات السطو التي لم تعد تستثني حتى الأحياء الراقية.

تبدو الحصيلة مجرد رقم جاف، لكن خلف هذا الرقم سردية من الدم والخذلان والانهيار، ترويها خرائط متعددة لبلد بات العنف فيه نمطًا يوميا متعدد الأوجه.

السويداء: تلة الحديد تشتعل من جديد

في الجنوب السوري، وتحديدا في تلة الحديد بمدينة السويداء، انفجرت مواجهة مسلحة عنيفة بين جهاز الأمن العام ومسلحين محليين من أبناء المدينة، فخمسة عناصر أمن قُتلوا، فيما قضى شاب مسلح من أبناء السويداء في المواجهة التي استُخدمت فيها الأسلحة الرشاشة الخفيفة والثقيلة.

لم تكن الاشتباكات مفاجئة لسكان المدينة، فالتوتر المزمن بين السلطة المركزية والمجتمع المحلي يتراكم منذ سنوات، وخصوصا مع تصاعد التجييش الطائفي ومحاولات الأجهزة الأمنية فرض نفوذها بقوة السلاح، ما أثار ردود فعل غاضبة في مجتمعٍ يُواجه منذ سنوات سياسات إقصاء وتمييز.

دير الزور: أصوات مكتومة في مدينة مرهقة

في مدينة دير الزور، لم يكن الهدوء الذي يسبق العاصفة كافيا لحماية الناشط كندي العداي، الذي وُجد مشنوقا داخل منزله في حي الجورة، لكن علامات الضرب والتعذيب على جسده، وسمعته كصوت ناقد للحكومة، ترجّح سيناريو أقسى بكثير من “الانتحار”.

وفي مدينة الميادين، عُثر على جثة فتاة مجهولة الهوية مقتولة بطريقة غامضة في إحدى المزارع، بينما قُتل رجل من قبيلة “البوسرايا” في بلدة الشولا، وشاب من البصيرة قُتل بعد شجار تطوّر إلى عنف جماعي في حديقة تشرين بدمشق.

دمشق: رعب صامت في الأحياء الفقيرة والراقية

لم تكن العاصمة دمشق أكثر أمانا، ففي حي التضامن الشعبي، سقط رجل من أهالي جبل العرب برصاص مجهولين، وفي حي دف الشوك المجاور، استُهدف شاب علوي بالرصاص، وفي الطرف الآخر من المدينة، في بستان على أطراف الحجر الأسود، عُثر على جثة رجل اختُطف في ظروف غامضة.

لكن أكثر الحوادث وقعا على سكان العاصمة كانت جريمة حي المالكي الراقي، حيث قُتلت سيدة داخل منزلها خلال عملية سطو مسلح، الجريمة حملت رسالة واضحة: لا مكان آمن في المدينة، لا للموالين، ولا للمحايدين، ولا حتى للأثرياء.

الطوائف والدم: اصطفاف ينهش الجسد السوري

في ريف حماة الغربي، قُتل شاب من الطائفة العلوية برصاص مسلحين مجهولين على دراجة نارية في قرية دير الصليب، وفي مدينة حلب، قُتل شاب معروف بولائه للسلطة الحالية في حي صلاح الدين.

أما في حمص، فتسربت أخبار عن وفاة شاب من الطائفة العلوية تحت التعذيب في مركز احتجاز حكومي، بعد أشهر من اختفائه على أحد الحواجز، ولا أحد من أقاربه تجرّأ على المطالبة بجثمانه أو فتح تحقيق.

هذا التناثر الطائفي للضحايا، سواء بالهوية أو الموقع، يذكّر بأن العنف في سوريا لم يعد مجرد نتيجة للحرب، بل أسلوب إدارة للخوف والانقسام.

الرقة والحسكة: نزاعات تحت رادار الخرائط

في ريف الرقة الشمالي، قتل أحد عناصر فرقة “الحمزات” التابعة للجيش الوطني المدعوم تركيا، أثناء مروره على الطريق بين قريتي جاموس وفيلو، ولا سياق واضح للجريمة، لكن وجود السلاح بأيدي المجموعات المدعومة خارجيا بات مدخلا لعدد لا يُحصى من الانتهاكات.

أما في الحسكة، فقضت معلّمة في مدرسة الأمل بطلق ناري طائش اخترق جمجمتها، ولم تكن المعلمة طرفا في أي صراع، لكنها أصبحت ضحية للعنف العشوائي الذي يخترق حتى المدارس والمراكز المدنية.

دولة تتفكك… أم تُعاقب؟

عشرون ضحية في يوم واحد، في بلد لا يعيش حربا شاملة منذ سنوات.
لكن الخريطة الناتجة من هذا اليوم ترسم حالة عنف مركّب:

  • عنف تمارسه السلطة تحت غطاء القانون (كالقتل تحت التعذيب).
  • عنف بين مجموعات مسلحة رسمية وشبه رسمية (كالسويداء وتل أبيض).
  • عنف فردي ينتج عن فوضى السلاح، والتحلل الاجتماعي، وغياب القانون.

السؤال لم يعد “من يقتل؟” بل: من سيبقى في منأى عن القتل؟

حين لا يحمل القاتل اسما

بعض القتلة معروفون، لكن كثيرا ما يُخفيهم الإعلام خلف عبارة “مسلحون مجهولون”.
في سوريا، بات الغموض جزءا من بنية العنف.
فحتى الجريمة، لم تعد تُرتكب بصوت عال، بل بهمس البنادق في الأزقة،
أو بصمت الخوف في غرف التحقيق،
أو بتواطؤ المجتمع مع النسيان.

لكن يوم 3 آب 2025 لا يجب أن يُنسى،
فهو مرآة للانهيار البطيء الذي لا يدوّي، لكنه يقتل على الدوام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *