مرسومٌ يمحو الذاكرة: كيف تُعيد السلطة كتابة التاريخ السوري بالمراسيم؟

في البلاد التي تُدار بالمراسيم أكثر مما تُدار بالقوانين، صار للتاريخ وظيفة جديدة.. أن يُطيع.

مبارك لنا زمنُ “الإله الإداريّ”؛ ذاك الذي يخلق الأعياد من عدم، ويأمر الأزمنة أن تُطأطئ رؤوسها، بإشارة من قلمه، فيختفي يوم الشهداء (6 أيار) وتذوب ذكرى حرب تشرين (6 تشرين الأول) كما يذوب الملح في خطاب رسمي، ثم بكرم لا نظير له يمنّ علينا بيومي 8 كانون الأول (عيد التحرير) و18 آذار (عيد الثورة)، وكأن الذاكرة العامّة برنامجُ جداولٍ في مكتبته الخاصة؛ حذف وإدراج وتنسيق… وحفظ!

كيف تُصادَر الحقوق بترفٍ لغوي؟

يسمّونه تحديد الأعياد الرسمية صياغة رقيقة بـ”قفاز حرير”، تُخفي تحتها قبضة حديد.. حقّ العاملين في عطلةٍ مضمونةٍ بأجر كامل، مشروط هذه المرّة بـ”اجتهاد” السلطة في تعريف ما يستحق أن يُتذكّر، لا بأس؛ فالتاريخ، في عرف المرسوم، ليس سردا جمعيا بل ملكية فكرية لساكن القصر.

ذاكرة على المقاس

 الشهداء؟ جميلون في الخطابات، مزعجون في التقويم.

 حرب تشرين؟ تُذكر عندما نحتاج إلى طبلة إيقاع وطنية… وتُرمى عندما يضيق مزاج المرحلة.

“عيد التحرير” و”عيد الثورة” ؟ عناوين طازجة تُدوّن لتجميل الصفحة الأولى، حتى وإن كانت الصفحات الوسطى ممزّقة.

لاهوت الإدارة.. الرئيس كقدَرٍ فوق التاريخ

في اللاهوت السياسي الجديد، لا يحدث الماضي لأن الناس عاشوه، بل لأن المرسوم اعترف به، من لم يوقّعه الحاكم ليس تاريخا، ومن وقع عليه صار مقدّسا وظيفيا يُضاف إلى رصيد الإنجاز، لقد أصبحنا رعايا في دولة التقاويم حيث تُقاس الشرعية بعدد الأختام الحمراء لا بعدد القلوب التي نبضت ودَفَعت الثمن.

مفارقات التقويم

 ألغينا يوم الشهداء… لكن صورهم لا تزال على جدران البيوت. من يوقّع أمرا بإزالتها؟

 محونا حرب تشرين… لكن القبور لا تعرف سياسة التحديث.

أضفناعيد التحرير” و“عيد الثورة”…!! هل نضيف معها حرية التجمّع، وحقّ التظاهر، واستقلال القضاء و ايقاف القتل على الهوية ؟

دراما الحقوق: الأجر كامل والكرامة منقوصة

أن تمنحني يوم راحة بأجرٍ كامل وتسرق منّي حقّي في ذاكرةٍ كاملة، فهذه صفقة خاسرة، أيُّ عدالةٍ تلك التي تُسدّد أجورنا نقدا وتقتطع من أعمارنا معنًى؟ العامل يحتاج إلى يوم عطلة، نعم؛ لكنه يحتاج أيضا أن يعرف لماذا يُعطَّل، لمن يُعطِّل، ومن الذي يقرّر عنه متى يتذكّر ومتى ينسى.

مرسوم بحذف الحبكة

بموجب المرسوم رقم (188) لعام 2025، نُبَلَّغ رسميا أن التاريخ صفحة قابلة للمحو، وأن الذاكرة العامّة خيار متقدّم في إعدادات السلطة الجديدة، لكن الحقيقة أعندُ من الحبر: الشهداء لا يغيبون لأن يومهم غاب، والحروب لا تُمحى لأن التقاويم تغيّرت، ومن أراد صناعة شرعيةٍ جديدة فليكتبها في واقع الناس لا في خانة العطل الرسمية”.

مرسومٌ يمحو الذاكرة

تمثيل بصري لسياسات محو الذاكرة الرسمية في سوريا (2025)

  • 🔴 إلغاء يوم الشهداء: تهميش الرموز المؤسسة.
  • 🟠 محو حرب تشرين: إلغاء الذاكرة القتالية المشتركة.
  • 🟡 عيد التحرير: إنشاء رموز بديلة مُعلّبة.
  • 🟢 عيد الثورة: توظيف التاريخ لتجميل الحاضر.
  • 🔵 لاهوت الإدارة: الحاكم بوصفه مُشرّع الذاكرة.
  • 🟣 دراما الحقوق: أجور مدفوعة وكرامة منقوصة.
  • مرسوم محو الذاكرة: السيطرة على التاريخ عبر التقويم.

© سوريا الغد – تحليل بصري | إعداد: Souria Al-Ghad GPT

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *