الحزب السوري القومي الاجتماعي: بين الشرعية القومية والمصالحة الوطنية بعد 2024

وجد الحزب السوري القومي الاجتماعي نفسه منذ انهيار النظام السوري في الثامن من كانون الأول 2024 أمام مرحلة انتقالية معقدة، اتسمت بفراغ مؤسساتي لأجهزة الدولة وفقدان شبه كامل لأدوات الضبط التقليدية.

حاول الحزب في هذه المرحلة، الوقوف بين “الشرعية الثورية” والشرعية القومية التاريخية، مع تشديد دائم على أنّ المصلحة العليا هي “مصلحة سورية”، وإصراره على رفض الاقتتال الداخلي بين السوريين والتأكيد على أن المخرج الآمن الوحيد هو المصالحة الوطنية عبر حل سياسي يجمع السوريين عليه.

قراءة هذا الخطاب تسمح لنا بفهم تعقيدات موقع الحزب، فهو ليس في مواجهة مباشرة مع السلطة الجديدة، لكنه في الوقت نفسه لا ينخرط فيها بلا شروط، والأهم أنّه يحاول فرض وجوده كفاعل يوازن بين ضرورة التغيير الداخلي والالتزام التاريخي بمقاومة الاحتلال، ويعزز موقعه بفضل تواجده الأفقي العابر للجغرافيا الضيقة، فهو يتمتع بتواجد واسع لا ينحصر بالجمهورية السورية، ما يتيح له شبكة علاقات واسعة عبر الحدود تتجاوز البنى الحزبية التقليدية.

خطاب يستحضر الإرث لمواجهة الحاضر

منذ الساعات الأولى لسقوط النظام، لجأ الحزب إلى استحضار نصوص أنطون سعادة باعتبارها بوصلة للتعامل مع اللحظة، وهذه الاستعادة لم تكن مجرد احتفال رمزي؛ بل محاولة لترسيخ فكرة أنّ أي تحول سياسي لا قيمة له إذا لم يرتبط بمقاومة كل الاحتلالات وفي مقدمها الاسرائيلي واستعادة الأرض، وهذا الاستحضار يتكامل مع الإرث المعارض للحزب، الذي طالما رفض الانزلاق إلى صراعات داخلية تُضعف الموقف الوطني الجامع.

هذا الخطاب يعبّر عن نمط متكرر في الحركات التي تناضل ضد سلطات داخلية وخارجية معا، أي رفض حصر الصراع في الداخل، والإصرار على أن العدو الحقيقي هو الخارجي.

إنّ العودة إلى الرموز التاريخية في الخطاب السياسي تحمل وجهين متناقضين، فمن جهة، تمنح هذا الخطاب شرعية رمزية قوية، إذ تربطه بجذور فكرية وعقائدية عريقة وتمنحه طابع الاستمرارية والوفاء للمبادئ، كما أنّها تؤدي وظيفة تعبويّة، فتُلهم أعضاءها وتشدّ من عزمهم في لحظات الأزمات.

لكن من جهة أخرى، تتحول هذه الرموز إلى عبء إذا لم تُرفق بأدوات عملية تتلاءم مع طبيعة التحديات الراهنة؛ فالشرعية الرمزية وحدها لا تكفي لتقديم حلول ملموسة لمشكلات معقّدة مثل غياب المؤسسات أو الاحتلال أو الانقسام الداخلي.

وفي هذا السياق، يطرح السؤال نفسه حول الحزب السوري القومي الاجتماعي، هل يكفي استدعاء فكر أنطون سعادة وخطاباته ليشكّل إطارا كافيا لمرحلة ما بعد الأسد، أم أن المرحلة الجديدة تحتاج إلى آليات سياسية وتنظيمية تتجاوز مجرد الرمزية التاريخية؟

نقد السلطة دون قطيعة

لم يتبنَّ الحزب خطاب القطيعة المطلقة مع “الإدارة السورية المؤقتة”، لكنه وجّه انتقادات واضحة لطريقة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، معتبرا أنّه أقرب إلى إعادة إنتاج مؤتمرات النظام السابق، لكنه لم ينزلق إلى خطاب عدائي يضعه خارج المعادلة، بل أبقى على لغة تحذيرية، فأي سلطة لا تجعل من مواجهة الاحتلال أولوية ستفقد شرعيتها سريعا.

المقاربة التي طرحها الحزب هي أن المعارضة ليست مجرد مواجهة مباشرة أو صدام مع السلطة القائمة، بل تتخذ أشكالا أكثر تعقيدا وفاعلية، فهي تُقاس بقدرتها على إعادة تحديد قواعد اللعبة السياسية، أي صياغة ما يُعتبر شرعيا وما يُعتبر غير مقبول في نظر المجتمع.

لا ينخرط الحزب السوري القومي الاجتماعي في مشروع إسقاط السلطة الانتقالية، بل يركّز على وضع معايير قومية صارمة تُلزِم هذه السلطة لكي تكتسب شرعية حقيقية، وتتمثل أساسا في أولوية مقاومة الاحتلال، والحفاظ على وحدة الأرض والشعب، والانفتاح على حوار وطني شامل، فالحزب لا يضع نفسه في موقع طرف ينافس على السلطة وحسب، بل يسعى لأن يكون قوة فاعلة تعيد صياغة مفهوم الشرعية السياسية نفسه، بحيث يُقاس أداء أي سلطة بمدى التزامها بالمعايير القومية التي يطرحها، وليس فقط بقدرتها على إدارة الحكم.

المقاومة كإطار تعبوي

من خلال بياناته، يحاول الحزب إعادة صياغة معادلة الصراع، فالانقسام الداخلي خطر لكنه ليس قدرا، والاحتلال الإسرائيلي هو الخطر المطلق، ويقدم الحزب ما يمكن وصفه بـ”إطار تعبوي جامع”، شبيه بتجارب المقاومة المدنية، فيخلق صورة “نحن” مقابل “هم”، فنحن السوريون المقاومون، وهم الاحتلال وأعوانه؛ هذا الخطاب الفعال في منع تفكك النسيج الداخلي يظل مهددا بفقدان المصداقية إذا لم يقترن بخطوات عملية.

رغم القوة الرمزية للخطاب، ثمة معضلات عملية واضحة:

حلّ الجيش السوري يجعل الدعوات للمقاومة أقرب إلى الشعار منها إلى إمكانية واقعية.

تعدد مراكز القرار فالسلطة الانتقالية منقسمة، مما يضعف فرص أي توافق وطني.

تنامي نزعات الثأر فأحداث التشفي والعنف الأهلي تعطل أي مشروع جامع.

إنّ أي حركة معارضة تحتاج إلى أدوات تنظيمية ووسائل ضغط غير عنفيه تتيح لها فرض أجندتها، وفي حالة الحزب، يبدو أنّ الخطاب متقدم على الأدوات.

بين الشرعية الثورية والشرعية القومية

في لحظة ما بعد سقوط الأنظمة، غالبا ما تتصارع روايات الشرعية، فالسلطة الانتقالية الحالية تستند إلى “شرعية الثورة” المتمثلة في إسقاط النظام، بينما يستند الحزب إلى “شرعية قومية” متمثلة في الدفاع عن الأرض ومقاومة الاحتلال، وهذا التباين يتحول أحيانا إلى مصدر صراع، لكنه أيضا يمكن أن يشكل أرضية لحوار وطني إذا ما وُجدت إرادة لذلك.

موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد كانون الأول 2024 يكشف عن محاولة للبقاء فاعلا في مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات، خطابه يقوم على إعادة تعريف الشرعية من خلال معيار المقاومة، وانتقاد السلطة الجديدة دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة معها، مع التأكيد على أن المصالحة الوطنية عبر حل سياسي جامع هي السبيل الوحيد لتفادي الانقسام الداخلي.

لكن تبقى الحركات السياسية أمام اختبار القدرة على تحويل الخطاب إلى أدوات ضغط ملموسة، فالقوة الرمزية وحدها لا تكفي لضمان دور مؤثر، وهنا يطرح السؤال الحاسم: فهل يتمكن الحزب من ترجمة “مصلحة سورية فوق كل مصلحة” إلى برنامج عملي يقود البلاد نحو وحدة داخلية ومواجهة فعالة مع الاحتلال، أم يظلّ حضوره محصورا في البعد النظري دون أن يتحوّل إلى تأثير فعلي في مسار القرارات السياسية؟

فكرتين عن“الحزب السوري القومي الاجتماعي: بين الشرعية القومية والمصالحة الوطنية بعد 2024”

  1. ميرنا سلام

    السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على الحزب المقسم على يد النظام السابق والمحلول على يد النظام الحالي بسورية هل يسمى قومي سوري اجتماعي من يقبل بتفسيم الحزب ليبقى هؤلاء الثلاثه المهووسين بالسلطة على حساب الأمة ومصلحة سوريا ووحدة الحزب ان يبقوا رؤساء الجهات المقسمة للحزب برغم ما تمر به الأمة السورية من تسفية لكل شيء وطني ووحدوي وسيادي وغير طائفي ووجود عسكري للبقاء بالسلطة لو كان الثمن مصلحة سورية وحضارتها وتراثها التاريخي ورسالتها الحق والخير والجمال للبشرية ومواردها المباعة المحتلة وقطع بساتينها وخضارها وتصحيرها لشجع الانظمة السابقة والحالية الوضع كارثي لك السلام سوريا

  2. عقيل هنانو

    هذه المرحلة تتطلب وضوح في الكلام والأهداف وليس تدوير الزوايا، هل سورية تحت الأحتلال أم هو خلاف سياسي بحت بين اطراف سورية تختلف بلأيدلوجية…الجواب على هذا السؤال بوضوح وواقعية هوية اصحاب القرار النهائي في سورية يحدد أسلوب المعاملة مع المجازر والسبي والاغتصاب وسرقة المال العام والخاص وبيع الوطن جملةً وتفصيلاً…

    هل الجولاني وزبانيته اصحاب القرار ام هم عبارة عن منفذين لطلبات الاحتلالات الثلاثة في البلاد ويتقاضون عليها استباحة وطن وحياة مواطن…وأنا والجميع نعلم يقيناً ومن خلال تصريحات الصهيوني وتنفيذ طلباته من قبل الجولاني وكذلك العثماني والاميركي ان الجولاني ليس حتى خزمتشي بل ادنى مرتبة من ذلك من هنا مقولة نقد السلطة دون قطيعه يمنح المحتل شرعية لا يملك السيد حيدر منحها بأسم الحزب او سورية او السوريين…

    من هنا اتمنى على السيد علي حيدر —وزير المصالحة في وقت كان القرار الداخلي قادر ان يمثل وطن ومواطن— أن يحافظ على تاريخ الحزب وتاريخ الشهيد أنطوان سعادة ويبتعد عن التحليل ومحاولة تصوير المحتل ووكيله على انه طرف يحاور ويمكن ايجاد حل لسورية من خلاله…فالمصالحة الوحيدة اليوم لدى المحتل هو ان نركع ونقبل الحذاء واليد…

    نحن دولة تحت الأحتلال لا نملك قرار ولارأي لنا يسمع…من هذه الزاوية ليبلغنا عتاة المحللين وسادة السياديين طريق الخلاص لنا ولوطن قتلناه نحن بتبني مصطلحات المحتل التقسيمية والطائفية والعرقية…أي حوار اليوم بالشأن السوري يتمحور بعلوي وسني ودرزي… والمسيحي مغيب ولا يذكر ولا اهتمام به وحقوقه… فليراجع السيد حيدر مسار العراق ويجد لنا طريق لا ننتهي فيه كما انتهى العراق…فنحن النسخة الشامية لبلاد الرافدين في الخطة الصهيوأميركية ولسنا استثناء او على رأسنا ريشه قادرين ان نغير واقع مذل مهين بالتمنيات او الاتهامات. تحياتي والأحترام. 🙏🌹🙏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *