سوريا 2025: خزينة بلا موارد واقتصاد يستورد أزمته

يُعدّ عام 2025 اختبارا صعبا للاقتصاد السوري الذي يبدو وكأنه يعيش على أنفاس مالية مستعارة، فبين خزينة خاوية من الإيرادات المحلية، واعتماد متزايد على المساعدات الخليجية، وانكماش القاعدة الإنتاجية، تتبلور ملامح أزمة عميقة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بطبيعة العلاقة المقلوبة بين الدولة والسوق، وبين المال والسيادة، وما يُستورد وما يُنتَج.
المشهد الاقتصادي السوري يوضح فقدان التوازن بين الدولة واقتصادها، فالأرقام والمؤشرات لم تعد تعكس حركة نموٍّ أو استقرار، بل تكشف هشاشة البنية المالية العامة، وتآكل الأدوات التي تمكن الدولة من إنتاج الإيراد والمحافظة على سيادتها الاقتصادية.

المؤشرات الاقتصادية السورية لعام 2025

تُظهر الأرقام المتاحة أن الاقتصاد السوري يعيش حالة اختلال هيكلي عميق؛ فالإحصاءات لا تعكس دورة نموٍّ طبيعية، بل تفصح عن فجوة متسعة بين ما تنتجه البلاد فعليا وما تنفقه للحفاظ على حدٍّ أدنى من الاستمرار، إن هذه المؤشرات، كما ترصدها المؤسسات الدولية والمصادر الميدانية، تكشف بوضوح هشاشة الأسس التي تقوم عليها الخزينة العامة، وتحولها من مصدر تمويل وطني إلى أداةٍ لإدارة العجز المزمن:

المؤشرالتقدير لعام 2025
الناتج المحلي الإجمالي24.1  مليار دولار
معدل النمو الحقيقي+1 %
معدل التضخم السنوي120 – 130 %
سعر الصرف (الليرة/الدولار) 25,000 – 27,000 ل.س
العجز المالي الكلي-10.5 % من الناتج المحلي
الإيرادات الحكومية الكلية1.7 مليار دولار
الإنفاق العام4.2 مليار دولار
الاحتياطيات الأجنبيةأقل من 250 مليون دولار
العجز التجاري-2.8 مليار دولار
الواردات5.9 مليار دولار
الصادرات3.1 مليار دولار
معدل البطالة47 – 50 %
السكان تحت خط الفقرأكثر من 85 %
الدين العام165 % من الناتج المحلي

أولاً: خزينة مُفرغة واقتصاد مُستورد

تظهر البيانات الرسمية وغير الرسمية أن الخزينة السورية في 2025 شبه عاجزة عن تمويل إنفاقها الجاري دون المساعدات الخارجية، فالإيرادات المحلية بالكاد تغطي 40 % من نفقات الدولة، بينما تأتي النسبة المتبقية من مصادر استثنائية، أبرزها مساعدات خليجية تقدر بنحو 350 إلى 400 مليون دولار.
الاعتماد على التمويل الخارجي لتحريك الدورة الاقتصادية جعل الدولة أشبه بجهاز إداري يصرف المساعدات ولا ينتج الإيرادات، فيما تراجعت قدرة البنك المركزي على إدارة السيولة أو ضبط سعر الصرف الذي تجاوز  11 ألف ليرة للدولار الواحد في السوق الموازية.

في ظل هذا الواقع، يمكن القول إن الاقتصاد السوري يعيش على إعادة تدوير الأزمة، فالمساعدات تموّل الرواتب، والرواتب تموّل الطلب على المستوردات، والمستوردات ترفع الطلب على الدولار، فيدور العجز المالي والنقدي في حلقة مغلقة لا تنكسر إلا بتغيير بنية الإنتاج.

دعم الاستيراد… خنق التصنيع المحلي

من المفارقات أن الحكومة خلال عام 2025 خفضت الرسوم الجمركية على المستوردات “البديلة للمنتج الوطني”، بحجة ضبط الأسعار، لكن النتيجة كانت معاكسة:

  • بلغ إجمالي الواردات نحو 5.9 مليار دولار، أي بزيادة واضحة عن الأعوام السابقة.
  • لم تتجاوز الصادرات 3.1 مليار دولار، معظمها زراعية أو أولية غير مصنّعة.
  • سجل الميزان التجاري عجزا يقارب -2.8 مليار دولار.

رغم هذا الارتفاع في الواردات، لم ترتفع الإيرادات الجمركية سوى إلى 200 مليون دولار تقريبا، أي ما لا يزيد على3 %  من قيمة المستوردات، ما يعني أن التحصيل الجمركي إما غير فعّال، أو أن قنواته لا تصب كاملة في الخزينة العامة.
وفي المقابل، يعمل القطاع الصناعي بأقل من ربع طاقته الإنتاجية، بينما تواجه الورشات الصغيرة والمتوسطة ارتفاعا في كلفة التشغيل ونقصا في الطاقة.

تدعم الدولة المستورد وتخنق المنتج، وهي سياسة لا تُضعف فقط الإنتاج المحلي، بل تُقلّص القاعدة الضريبية نفسها التي تموّل الخزينة.

العجز المالي يبتلع الدولة

تشير الأرقام إلى أن العجز المالي بلغ نحو 10.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2025، أي ما يعادل  2.5  مليار دولار تقريبا، ومن أصل 4.2 مليار دولار في الاتفاق العام، يذهب نصفها إلى رواتب وأجور تموَّل جزئيا من الخارج، بينما يستهلك دعم الطاقة والنقل حوالي20% من الإنفاق العام، فالدولة تنفق لتبقى واقفة، لا لتنتج.

أما على مستوى الاحتياطيات الأجنبية، فلا يتجاوز المتاح منها250  مليون دولار وهو أقل من شهر واحد من الاستيراد، ما يجعل السياسة النقدية مقيدة تماما، وبينما يُسجل البنك المركزي سعرا رسميا أقل بكثير من سعر السوق، تتآكل الثقة بالعملة المحلية تدريجيا، ويزداد الاعتماد على الدولار في التسعير والمعاملات اليومية، حتى داخل المؤسسات الرسمية.

تفكيك القطاع العام… ونشوء طبقة “المستوردين الجدد

السياسات الاقتصادية دخلت مسار تفكيك القطاع العام الإنتاجي، فسمحت الحكومة في آب بتصدير الآلات وخطوط الإنتاج المستعملة، في خطوة فُسّرت بأنها تصفية ناعمة لما تبقّى من القدرات التصنيعية الوطنية، وتقلصت مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي إلى نحو 6 % فقط، بعد أن كانت تفوق 20% قبل عقد من الزمن.

ترافق ذلك مع بروز فئة محدودة من كبار المستوردين الذين يحتكرون الواردات السلعية، ويحوّلون أرباحهم إلى الخارج أو يحتفظون بها بالدولار داخل النظام المصرفي غير الرسمي، فتتركّز الثروة في يد قلة تتحكّم بتجارة البلاد، بينما تفقد الدولة أهم أدواتها في إدارة السوق والعملة.

الكهرباء والخبز… مؤشرات على أزمة أعمق

انخفضت مخصصات دعم الكهرباء في 2025 إلى نحو300  مليون دولار فقط، أي أقل بنسبة 40%عن عام 2023، وهو ما انعكس على ساعات التغذية التي باتت في بعض المناطق لا تتجاوز 4 ساعات يوميا، ويحذر خبراء من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى تآكل قدرة الدولة على دعم التعليم والصحة والخبز خلال العام المقبل، ما يهدد بانفجار اجتماعي صامت.

في المقابل، بلغ معدل التضخم نحو 130%، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بأكثر من90% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، ويُقدّر أن85 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وأن نصف القوة العاملة تقريبًا (47 – 50) % عاطلة عن العمل أو تعمل في قطاعات غير رسمية بلا حماية، ورغم ذلك لا تزال الموازنة العامة تُدار وكأنها في اقتصاد مستقر، عبر أرقام تقديرية لا تستند إلى تحصيل فعلي.

بين السيادة الاقتصادية والانكشاف المالي

بلغ الدين العام السوري في 2025 نحو165% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل تقريبا 40 مليار دولار، جزء كبير منه ديون داخلية للمصرف المركزي ومؤسسات حكومية، وهذا يعني أن الدولة تموّل نفسها من نفسها، أي عبر إصدار نقدي غير مغطى بالإنتاج.

ضمن هذه الصورة تصبح السيادة المالية رهينة المانحين الخارجيين، والسياسة الاقتصادية أداة لتسيير الوقت لا لإصلاح البنية، فغياب الاحتياطيات، وتراجع الإيرادات، وتآكل الصناعة، كلها مؤشرات تُظهر أن الدولة لم تعد تتحكم في أصولها الاقتصادية، بل تُدير ما تبقى منها إداريا.

العام 2025… اقتصاد على حافة الندرة

إذا كانت الخزينة مرآة الاقتصاد، فإن ما تعكسه اليوم في سوريا هو اقتصاد بلا قاعدة إنتاجية، ومالية بلا موارد، وعملة بلا غطاء، والأرقام لا تُخطئ، فالإيرادات أقل من 7 % من الناتج المحلي، والعجز التجاري يتجاوز 2.8 مليار دولار، ودين عام يقترب من ضعف حجم الاقتصاد.
كل ذلك يجعل العام 2025 ليس عام التعافي كما تروّج بعض الخطابات الرسمية، بل عام الانكشاف الكامل للسياسات التي رهنت الدولة للسوق والمساعدات.

وفي غياب خطة إنتاجية متكاملة تعيد ربط المال بالإنتاج، ستبقى سوريا عالقة في نموذج «الاقتصاد المُدار بالعجز»، حيث يُعاد تدوير الفقر في شكل دعمٍ مؤقت، ويُعاد تدوير المساعدات في شكل رواتب مؤجلة.

إنها لحظة حاسمة تستدعي إعادة تعريف السيادة الاقتصادية بوصفها قدرة الدولة على تمويل ذاتها بإنتاجها، لا بالاستيراد من جيوب الآخرين.
فمن دون ذلك، ستظل الخزينة السورية في 2025 وعاءً فارغا لإدارة الندرة لا لبناء النمو.

الاقتصاد السوري 2025: خزينة بلا موارد

سوريا 2025: خزينة بلا موارد… واقتصاد يستورد أزمته

تحليل البيانات الاقتصادية والمالية للاقتصاد السوري في عام 2025

يُعدّ عام 2025 اختبارًا صعبًا للاقتصاد السوري الذي يبدو وكأنه يعيش على أنفاس مالية مستعارة. فبين خزينة خاوية من الإيرادات المحلية، واعتماد متزايد على المساعدات الخليجية، وانكماش القاعدة الإنتاجية، تتبلور ملامح أزمة عميقة لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بطبيعة العلاقة المقلوبة بين الدولة والسوق.

مقارنة الإيرادات والإنفاق الحكومي (مليار دولار)

معدلات التضخم والبطالة والفقر (%)

الواردات مقابل الصادرات (مليار دولار)

هيكل الدين العام (% من الناتج المحلي)

المؤشر التقدير لعام 2025
الناتج المحلي الإجمالي 24.1 مليار دولار
معدل النمو الحقيقي +1 %
معدل التضخم السنوي 120 – 130 %
سعر الصرف (الليرة/الدولار) 25,000 – 27,000 ل.س
العجز المالي الكلي -10.5 % من الناتج المحلي
الإيرادات الحكومية الكلية 1.7 مليار دولار
الإنفاق العام 4.2 مليار دولار
الاحتياطيات الأجنبية أقل من 250 مليون دولار
العجز التجاري -2.8 مليار دولار
الواردات 5.9 مليار دولار
الصادرات 3.1 مليار دولار
معدل البطالة 47 – 50 %
السكان تحت خط الفقر أكثر من 85 %
الدين العام 165 % من الناتج المحلي

تحليل المؤشرات الاقتصادية

تشير البيانات إلى أن الخزينة السورية في 2025 شبه عاجزة عن تمويل إنفاقها الجاري دون المساعدات الخارجية، حيث تغطي الإيرادات المحلية بالكاد 40% من نفقات الدولة. ويعتمد الاقتصاد على التمويل الخارجي لتحريك الدورة الاقتصادية، مما جعل الدولة أشبه بجهاز إداري يصرف المساعدات ولا ينتج الإيرادات.

بلغ إجمالي الواردات نحو 5.9 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات 3.1 مليار دولار، معظمها زراعية أو أولية غير مصنّعة. وسجل الميزان التجاري عجزاً يقارب -2.8 مليار دولار.

يعمل القطاع الصناعي بأقل من ربع طاقته الإنتاجية، بينما تواجه الورشات الصغيرة والمتوسطة ارتفاعاً في كلفة التشغيل ونقصاً في الطاقة.

الخلاصة: اقتصاد على حافة الندرة

إذا كانت الخزينة مرآة الاقتصاد، فإن ما تعكسه اليوم في سوريا هو اقتصاد بلا قاعدة إنتاجية، ومالية بلا موارد، وعملة بلا غطاء. فالإيرادات أقل من 7% من الناتج المحلي، والعجز التجاري يتجاوز 2.8 مليار دولار، ودين عام يقترب من ضعف حجم الاقتصاد.

في غياب خطة إنتاجية متكاملة تعيد ربط المال بالإنتاج، ستبقى سوريا عالقة في نموذج «الاقتصاد المُدار بالعجز»، حيث يُعاد تدوير الفقر في شكل دعمٍ مؤقت، ويُعاد تدوير المساعدات في شكل رواتب مؤجلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *