مطلع اليوم: جثة بلا قبر وصوت يملؤوه الألم
في أحد أحياء اللاذقية، استيقظ والد شاب مفقود منذ عشرة أيام على رسالة لم يكن يتوقعها، رسالة تُغني عن ألف تقرير أمني.. مقطع مصوّر لابنه يُقتل بدم بارد.
كانت تلك اللحظة التي تحوّل فيها الخطف إلى رسالة، والقتل إلى وسيلة ابتزاز علني.
قالت العائلة إن عناصر من الأمن العام هم من اختطفوا الشاب وطالبوا بفدية قدرها 250 ألف دولار، لكن حين عجز الأب عن الدفع، وصلته الجريمة مصوّرة.
لم تُسلَّم الجثة، ولم يُفتح تحقيق، فقط صمت رسميّ يُغطي المشهد مثل غبارٍ خانق.
شمال يشتعل وجنوب يغلي
في الشمال، كانت السماء تُراقب الأرض عن قرب. طائرة مسيّرة ـ يُرجّح أنها تركية ـ حلّقت فوق طريق مسكنة – دير حافر، قبل أن تطلق صاروخها نحو سيارة عسكرية تابعة لـ”قسد”.
لم يكن الانفجار حدثًا معزولا، بل إشارة واضحة في توقيت بالغ الحساسية؛ فبينما تتحدّث باريس وتخاطب العواصم الغربية عن استئناف المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق، في محاولة لدمج “قوات سوريا الديمقراطية” في الجيش السوري المقبل، كانت النار على الأرض تقول شيئا آخر: أن لغة الصواريخ ما زالت أعلى من لغة السياسة.
في الجنوب: عودة الأشباح القديمة
ليلا، دخلت دورية إسرائيلية إلى قرية جملة بدرعا.
أربعة شبّان اختفوا، ولم يعودوا.
لم يُعلن أحد مسؤوليته، لكن الأهالي فهموا الرسالة؛ الجنوب لم يخرج من دائرة الصراع بعد.
هنا، ما زال الاحتلال الإسرائيلي يمدّ يده حين يشاء، في أرضٍ تعيش تحت سلطةٍ انتقالية بالكاد تُسيطر على نفسها.
وفي السويداء، توقفت الأفران عن العمل بسبب نقص الطحين.
كان الناس يصطفّون في طوابير بلا خبز، قبل أن تُعلن جمعية ميزوبوتاميا نيتها إرسال خمسين طنا من الطحين كمساعدة عاجلة.
حتى الخبز، في سوريا الجديدة، صار يحتاج إلى مبادرة أهلية.
العاصمة: موسيقى مكسورة ودماء على الأرصفة
في دمشق، لم يكن اليوم أهدأ.
في مدينة دوما، قُتل الطفل محمد عمر الشيخ النجار، طعنا في رقبته قرب مدرسته.
وفي العاصمة نفسها، تحوّل المعهد الموسيقي الوطني إلى ساحة جدل بعد أن كُسرت آلاته الموسيقية،
السلطات نفت، والطلاب ردّوا بصور.
الحادثة بدت رمزية أكثر منها مادية؛ كأنّ الموسيقى نفسها تُعاقب لأنها لا تنتمي إلى زمن الحرب.
اللاذقية مجددا: الرصاص في بيت الصحافة
مع حلول المساء، أصيبت صحفية ووالدها في قرية دمسرخو بعد اقتحام منزلهم من قبل مسلحين مجهولين يستقلّون أربع سيارات.
الرسالة هذه المرة ليست للأب فقط، بل للرأي العام بأكمله؛ حتى الكلمة، مهما كانت خافتة، ما زالت تُعتبر خطرا.
بين القوانين والسياسة: قرارات بلا أثر
في اليوم نفسه، أعلنت وزارة العدل عن إلغاء أكثر من 287 ألف ملاحقة قضائية تعود إلى عهد النظام السابق، في ما بدا خطوة نحو “العدالة الانتقالية”.
لكن المفارقة أن الأجهزة الأمنية تقتل في الشوارع بينما البيانات تتحدث عن “رفع القيود القانونية”.
في سوريا 2025، يبدو أن القوانين تتقدّم على الورق فقط، بينما تتراجع العدالة في الميدان.
الساحل السياسي الجديد: ولادة فدرالية؟
في المساء، تم تناقل بيان آخر لا يقلّ أهمية يتحدث عن إعلان تأسيس الهيئة السياسية لوسط وغرب سوريا،
والبيان نقل تصورات عن نظام فدرالي، و”إدارة محلية ديمقراطية منفتحة”، في ما اعتبره محللون بداية محاولة لترسيخ كيان سياسي جديد في الساحل السوري.
ورغم لغته المدنية، إلا أنه كشف عمق الانقسام داخل الدولة الانتقالية، إذ بدا كأنه مشروع موازٍ للمركز لا تابع له.
اتصالات مقطوعة وإنترنت مراقَب
في جبلة، انقطعت خدمة الإنترنت، وفي دمشق تأكد أن السبب هو تجريب تقنية تركية تُعرف بـ”فلترة الحزم” تسمح بمراقبة المستخدمين.
تزامن ذلك مع إصدار وزارة الداخلية تعميما يطالب عناصرها بعدم التمييز ضد موظفي العهد السابق في المؤسسات الدولية، في اعتراف ضمني بأن التمييز قائم فعلاً
حتى في البيروقراطية، لا تزال الثورة والثورة المضادة تتنازعان المفاصل نفسها.
بلد يعيش كل أزماته دفعة واحدة
من اللاذقية إلى درعا، ومن دوما إلى دير حافر، كان الرابع من تشرين الأول مرآةً صافية لما آلت إليه البلاد:
أمنٌ هش، سياسةٌ متعثّرة، واقتصادٌ ينهار، ومجتمعٌ يحاول النجاة بالصمت.
في هذا اليوم السوري الطويل، لم يكن ثمة جبهة قتال واحدة، بل جبهات متداخلة تتصارع على تعريف “الدولة” نفسها.
ربما سيُسجَّل هذا اليوم لاحقًا كنقطةٍ فارقة: اليوم الذي بدأ فيه التحوّل من سلطة مركزية مرتبكة إلى مشهد فدرالي موزّع على الأطراف.
لكن حتى ذلك الحين، سيبقى صوت الأب في اللاذقية الذي شاهد ابنه يُقتل عبر هاتفه رمزا لبلدٍ يعيش مأساته أمام الكاميرا، دون أن يجرؤ أحد على إيقاف التسجيل.
واقع مدمر
للأسف . هذا هو المشهد