الاعتقالات التعسفية في سوريا: أنماطها ومستقبلها

بنت السلطة السياسية الجديدة سردية تُكرس شرعيتها عبر حجم الانتهاكات التي مارستها سلطة البعث خلال العقود الماضية، لكن الأشهر الأولى من عمر الحكومة الانتقالية تقدم معطيات على أن هذا الملف تم نقله إلى السلطات الجديدة التي تُمارس عمليات الاعتقال التعسفي في حملتها الأمنية ضد “فلول النظام”.

عمليا فإن الاعتقال التعسفي سيبقى على ما يبدو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعا في سوريا، حيث شهد شهر شباط 2025 تسجيل 216 حالة اعتقال تعسفي وفقا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهذه الاعتقالات، التي نفذتها أطراف متعددة تشمل الحكومة الانتقالية، قوات سوريا الديمقراطية، وفصائل المعارضة المسلحة، تعكس مدى تعقيد المشهد الحقوقي في البلاد في ظل النظام السياسي الجديد

أنماط الانتهاكات وتوزيعها الجغرافي

كانت قوات سوريا الديمقراطية مسؤولة عن النسبة الأكبر من الاعتقالات التعسفية (68 حالة)، لكن هذا الرقم يمكن مقارنته بالأشهر السابقة (كانون الثاني كمثال) ليظهر أن “قسد” في الحجم الكلي للاعتقالات لا يمكن النظر إليها بشهر شباط فقط، في المقابل فإن “الاعتقالات غير المعلنة” التي حدثت خلال الشهر الأول من انهيار سلطة البعث ما تزال غامضة، والحديث هما عن أعداد من عناصر الجيش تم احتجازهم رغم أنهم سلموا ، ويوضح الرسم البياني التالي حجم الاعتقالات المعلن عنها خلال لشهر كانون الثاني الماضي:

 جاءت فصائل المعارضة المسلحة (34 حالة) في المرتبة الثانية خلال شهر شباط، بينما نفذت الحكومة الانتقالية 21 حالة اعتقال، واحتلت محافظة حلب النسبة الأكبر من الاعتقالات المسجلة (50 حالة)، تليها دير الزور (40 حالة)، ثم الرقة (35 حالة)، ما يعكس تركز الانتهاكات في المناطق التي تشهد صراعات مستمرة على النفوذ والسيطرة.

عمليات الإفراج

رغم تسجيل حالات إفراج، إلا أن عمليات الاحتجاز لا تزال تفوق عمليات الإفراج، خصوصا لدى قوات سوريا الديمقراطية، حيث أفرجت الحكومة الانتقالية عن 19 شخصا من أصل 21 محتجزا، بينما أفرجت فصائل المعارضة عن 23 شخصًا من أصل 34، ويقدم الجدول التالي صورة عن توزع الاعتقالات والإفراجات خلال شهر شباط:

التحديات أمام مستقبل العدالة في سوريا

في ظل استمرار الاعتقالات دون مذكرات قضائية ودون توضيح أسباب الاحتجاز، فإنه من الصعب الحديث عن عدالة حقيقية، خصوصا أن الاعتقال هو جانب للانتهاكات، فهناك أيضا حالات استيلاء بالجملة على المنازل، وتهجير قسري أيضا وممارسة عنف معنوي على بعض الفئات الاجتماعية، ولا تزال الجهات المسيطرة على الأرض تتبع أساليب قمعية، حيث تستخدم عمليات المحاسبة لاستهداف معارضين سياسيين بدلاً من تحقيق العدالة الفعلية.

الجدول التالي يوضح الاستشراف بمستقل الاعتقالات استنادا إلى المسار الذي ظهر خلال الأشهر الثلاث الماضية:

التحديات الحقوقية في سوريا مستمرة على الرغم من التغيرات السياسية الأخيرة، وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات قانونية تضمن إنهاء الممارسات القمعية، وإرساء أسس العدالة الانتقالية والمحاسبة الفعلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *