الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في 2025: قراءة في الأبعاد والتداعيات المستقبلية

منذ مطلع عام 2025 بدأت “إسرائيل” بصراع مختلف مع سوريا، وتحولت بالتعامل معها، رغم العداء، من دولة إلى “فصائل” مسلحة محاولة أن تفرض مجالا حيوية لها وكسرت بشمل نهائي اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، فقبل انهيار سلطة البعث كانت “إسرائيل” تقوم باعتداءات جوية وبذريعة ضرب أهداف إيرانية، وقبل 2011 كانت الاعتداءات نادرة، بينما تخلق اليوم قواعد اشتباك جديدة، فمنذ بداية العام تم تسجيل 30 اعتداء، منها 28 غارة جوية وعمليتان بريتان، استهدفت مواقع استراتيجية متفرقة في سوريا.

تُظهر هذه الاعتداءات لإنهاء الاعتراف بسيادة الدولة، واعتبارها أرضا مكشوفة لا تخضع للقوانين الدولية، ويمكن ملاحظة أمرين لمستقبل الصراع وفق هذا الاتجاه:

  • الأول أن الأمن الإقليمي تحول بشكل واضح مع انهيار الدولة السورية بشكلها الذي ظهر منذ الاستقلال، فما كان يُسمى “الجبهة الشرقية (لبنان، سوريا والأردن) لم تخرج من إطار الصراع فقط بل غدت مساحة نفوذ، فحتى الأردن التي لم تتبدل منذ ظهورها بدت في حرب غزة كجزء من ترتيب إقليمي جديد كليا ومرتبط بأمن “إسرائيل” بالدرجة الأولى.
  • الثاني فإن “إسرائيل” نسفت كافة قواعد الاشتباك التي سادت منذ آخر حرب خاضتها ضد دول المنطقة عام 1973، فهي تريد إنهاء مفهوم الصراع  مع المجتمعات في المنطقة التي ظهرت سواء في الانتفاضة الأولى أو الثانية، أو في حربها مع حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلام، فالنفوذ العسكري اليوم يتواكب مع حديث عن “حماية الأقليات” وعمليات تهجير، وتغيير في الديموغرافيا للمنطقة.

على المستوى السوري ومع تدمير مؤسسات الدولة السيادية تسببت الاعتداءات الإسرائيلية في إصابة وتدمير نحو 37 هدفا شملت مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز قيادة وآليات عسكرية، وخلّفت هذه الضربات 12 شهيدا إلى جانب إصابة العديد من الأشخاص بجروح، وتوزعت بشكل متفاوت على مختلف المناطق السورية، حيث شهدت محافظة حلب 7 ضربات، فيما كانت محافظة ريف دمشق الأكثر تعرضا للهجمات بـ9 ضربات أسفرت عن استشهاد مدنيين اثنين وعنصرين عسكريين، بالإضافة إلى شخصين مجهولي الهوية من الجنسية اللبنانية. كما تعرضت السويداء لثلاثة هجمات، إحداها تضمنت 4 ضربات في هجوم واحد.

في ذات السياق، نالت محافظة درعا 6 ضربات جوية أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين وعنصر من إدارة العمليات العسكرية وإصابة آخرين، بينما تعرض ريف القنيطرة لأربع ضربات أسفرت عن استشهاد مدني وعنصرين من إدارة العمليات وإصابة آخر بجروح، كما شهد ريف حمص هجومين استهدفا الحدود السورية – اللبنانية، وخاصة المعابر غير الشرعية. كما تعرضت طرطوس لضربة واحدة ودمشق لضربتين.

يشير هذا التصعيد في الهجمات الإسرائيلية إلى استراتيجية إسرائيلية واضحة تتمثل في منع إعادة تشكيل قوة عسكرية سورية تعيد الدولة السورية إلى موقعها الإقليمية، كما تسعى لفرض واقع أمني جديد في الجنوب السوري بشكل خاص.

وبالنظر إلى نمط الهجمات وتوزيعها الجغرافي، يمكن التنبؤ بأن إسرائيل ستواصل هذه الاعتداءات وتزيد من حدتها خلال الأشهر القادمة، خصوصًا في ظل عدم وجود رد فعل دولي مؤثر، وستستهدف مزيدا من المواقع الحيوية والاستراتيجية في العمق السوري، بالتزامن مع استمرار العمليات البرية المحدودة، مما يعزز فرضية إقامة منطقة عازلة خالية من السلاح على الحدود.

كما أن استمرار إسرائيل في هذا التصعيد قد يُنتج ردود فعل متزايدة من القوى المحلية في سوريا، مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراع بشكل أكبر، وربما تشكيل تحالفات محلية جديدة تهدف إلى مقاومة التوسع الإسرائيلي.

ولتوضيح التطور في نمط الهجمات الإسرائيلية منذ مطلع العام 2025، يوضح الرسم البياني التالي عدد الهجمات وتوزعها الجغرافي:

الأشهر المقبلة حرجة للغاية بالنسبة للوضع الأمني في سوريا، حيث من المتوقع أن تزداد حدة التوتر والمواجهات، في ظل التصعيد الإسرائيلي الواضح والتردد الدولي في اتخاذ موقف حاسم. وهذا قد يجر المنطقة نحو مزيد من التعقيد والصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *