الخطاب السياسي لأحمد الشرع: بين الطموح التنموي وإشكاليات الأداء

تظهر التحولات السياسية السورية منذ انهيار سلطة البعث شكل من غياب التصورات لموقع الدولة داخل الصراعات الإقليمية، فمعظم اللقاءات الإعلامية للرئيس المرحلة الانتقالية أسيرة مسألتين: الأولى تاريخ هيئة تحرير الشام، والثانية طبيعة النظام السياسي الذي من المفترض أنه انتهى بشكل كامل بعد الثامن من كانون الأول عام 2024.

عمليا فإن رسم ملامح سوريا عبر خلق قطعية سياسية مع أكثر من خمسة عقود من حكم البعث تبدو حالة عبثية، وهو ما خلق مفارقات في الخطاب السياسي خصوصا أن ما شهدته سوريا ليس فقط نهاية نظام بل نسف كامل لركائز الدولة العميقة منذ الاستقلال وحتى اليوم، فسوريا تعيش لأول مرة حالة دولة دون جيش وطني وأحزاب سياسية والأهم بلا ميثاق وطني يشعر الجميع بالانتماء لهذه الجغرافية.

مكونات الخطاب السياسي للرئيس الانتقالي:

        معظم اللقاءات الإعلامية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع ركزت على تصفية نتائج المرحلة السياسية القصيرة نسبيا في تاريخ سوريا السياسي، فمنذ عام 2011 تراكمت حالة الاضطراب في علاقات دمشق مع محيطها الإقليمي، كما تشكلت قطيعة وعقوبات فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا، وفرض هذا الأمر توجها في خطاب الشرع استند إلى:

  1. التركيز على رفع العقوبات الدولية

في معظم اللقاءات كان الشرع يؤكد أن العقوبات الدولية هي “أكبر خطر” على إعادة الإعمار، وظهر هذا التوجه بوضوح في مقابلته مع نيويورك تايمز (أبريل 2025) وفرانس24 (ديسمبر 2024)، ووصفها بـ”عقاب غير عادل للشعب السوري”، كما طالب المجتمع الدولي بمراجعتها خاصة انتهاء النظام السياسي السابق، وتبدو المفارقة هنا بأن هذا الخطاب لم يؤد لرفع أي عقوبات جوهرية، بل زادت تعقيدات التعافي الاقتصادي بسبب عدم الاعتراف الدولي الكامل بالسلطة الجديدة، فالخلل السياسي هنا أن الخطاب السياسي لا يعترف بالفراغ السياسي الذي فرضته السلطة الجديدة عبر تصفية كل أشكال الدولة العميقة، فالعقوبات الدولية كانت في النهاية لتعيير السلوك السياسي وليس لتصفية أرث الدولة السورية، وهو ما عقد الموقف الدولي تجاه الواقع السوري الجديد، ويظهر الرسم التالي طبيعة التعامل الدولي مع العقوبات الدولية:

  • التطبيع مع الدول الإقليمية

سعى الشرع إلى طمأنة جيران سوريا، مثل السعودية وتركيا، بأن بلاده “لن تكون منصة لإثارة القلق”، وحسب مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط (ديسمبر 2024) أشاد بـ”الرؤية التنموية السعودية”، معبرا عن رغبته في التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، لكن المحيط الإقليمي يدرك نوعية الصراع الذي نجم عن نهاية منظومة إقليمية كاملة وليس فقط سلطة البعث في سورية، وإعادة رسم ملامح علاقات جديدة سيبقى رهين صراعات محاور إقليمية غير معلنة، فتحديد هوية سوريا ومشروعا السياسي مازال غائبا في الخطاب الرسمي، وحسن النية لا يكفي للإعلان عن أي اتفاقيات استثمارية كبرى، فالتجاذبات ما بين أنقرة والرياض وحتى تل أبيب ستحكم في النهاية صورة سورية في العلاقة الإقليمية.

  • الدعوة إلى الوحدة الوطنية

المفارقة الكبرى في الخطاب السياسي للرئيس الشرع تأتي من تكرار حديثه عن “سوريا للجميع”، ورفضه للفيدرالية أو التقسيم الطائفي، وهو ما ظهر في حواره مع الإيكونوميست (فبراير 2025) وذلك قبل فترة وجيزة من مجازر الساحل السوري، حيث أكد أن الدستور الجديد سيكون “انعكاساً لسوريا الحقيقية”، لكن الإعلان الدستوري جاء مناقضا لمسألة “العقد الاجتماعي” المرتقب، فهو كان خاليا من أي إشارات للمواطنة أو الديمقراطية ومسألة تداول السلطة، وظهر الإعلان الدستوري كتعبير عن لون واحد وذلك في سياق المواد التي جاءت بشكل لا يرسم أفق التنوع السوري، وبقدم الرسم التالي المفارقة بين الخطاب الديمقراطي وطبيعة الهيمنة العسكرية في سوريا:

ثانيا: التناقضات بين الخطاب والممارسة

رغم حديث الشرع عن “الانتخابات الحرة خلال 3-4 سنوات” (مقابلة الإيكونوميست)، إلا أن السلطة لا تزال خاضعة لقيادات فصائلية مثل اجتماع ديسمبر 2024 مع قادة الميليشيات الذي وصفته نيويورك تايمزبأنه “يشبه الانقلاب أكثر من الديمقراطية”، كما جاءت التعيينات من “لون واحد” في الحكومة الانتقالية، والتي بررها الشرع بضرورات “الانسجام” (لقاء العربية)، بينما جاءت الحكومة التمثيلية حالة شكلية في ظل بقاء الوزارات السيادية بيد قادة تحرير الشام التي تم حلها، واحتكار الشرع لكل السلطات وعدم الحديث بشكل صريح في الإعلان الدستوري عن الفصل بين السلطات.

وعد الشرع بـ”محاكمة مجرمي النظام السياسي السابق (مقابلة الجزيرة)، لكن التقارير تشير إلى تعيين شخصيات من “هيئة تحرير الشام” في مناصب حكومية، ما يثير تساؤلات عن استبدال النخب القديمة بأخرى موالية دون معايير الكفاءة، ومن جانب آخر كانت تأكيدات الشرع أن “الأولوية للعفو” (فرانس24)، لكن تقارير المنظمات الدولية (أبريل 2025) تتحدث عن حالة قتل بالآلاف في الساحل السوري، ولم تُنفذ حملات توعية حقيقية لاحتواء الكراهية الطائفية.

        يطرح الرسم البياني التالي الفارق بين محاربة الفساد والتعيينات التي ظهرت خلال الأشهر القليلة الأخير سواء في الوزارات أو مؤسسات الدولة:

الخطاب البراغماتي والتعقيدات الجيوسياسية

أعلن الشرع في لقاء مع إعادة تقييم الوجود العسكري الروسي والتركي، وأوضح أن “أي وجود عسكري يجب أن يكون بموافقة الدولة”. ومع ذلك، لا تزال القواعد الروسية قائمة، بينما تستمر تركيا في دعم فصائل معارضة، فعدم القدرة على إجبار القوى الخارجية على الانسحاب يعكس ضعف النفوذ التفاوضي، وهذا الأمر يظهر واضحا في مطالبة الشرع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات، لكنه يتجاهل شروطاً مثل “تسريح المقاتلين الأجانب”، واصفاً إياهم بـ”أبطال الثورة” (نيويورك تايمز)، فإصرار واشنطن على ربط رفع العقوبات بإصلاحات أمنية يُعمق الأزمة الاقتصادية، وعلى الجانب العربي فإن حديث الشرع عن “الاستثمارات الخليجية” لم يجعل سوريا تتوقف عن الاعتماد على المساعدات الإنسانية، ف قطر قدمت دعماً محدودا وفق النيويورك تايمز دون مشاريع استراتيجية.

وعد الشرع بحل “هيئة تحرير الشام” (مقابلة العربية)، لكن الوثائق تظهر استمرار نفوذها في الجيش والإدارة، ما يُنذر بتحولها إلى “دولة داخل الدولة”.

يظهر الشرع عبر خطابه السياسي محاولة لخلق صورة “زعيم وطني” يجمع بين شرعية الثورة وضرورات الدولة، لكن الفجوة بين الخطاب والممارسة تكشف تحديات عميقة، فاعتماده على القوة العسكرية يُضعف الدعم الشعبي، وحاجته إلى دعم إقليمي ودولي يفرض تنازلات قد تُعيق الإصلاح، فاستمرار الانقسامات الطائفية وغياب العدالة الانتقالية يجعل احتمالات الخروج من الوضع السوري الحالي صعبا على المستوى المحلي والإقليمي.

إن نجاح الشرع مرهون بتحويل خطابه إلى سياسات ملموسة، كإجراء انتخابات حقيقية، ومحاسبة الفاسدين، وإشراك جميع المكونات في العملية السياسية، ودون ذلك، سيظل خطابه مجرد وعود في وثائق إعلامية.

فكرتين عن“الخطاب السياسي لأحمد الشرع: بين الطموح التنموي وإشكاليات الأداء”

  1. تحليل شامل واقعي بعيد عن الايديولوجيا الساءدة والاصطففات اللحظوية الخاضعة للاحقاد او اوهام التغيير.

  2. تحليل شامل واقعي بعيد عن الايديولوجيا الساءدة والاصطففات اللحظوية الخاضعة للاحقاد او اوهام التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *