وزارة الأوقاف السورية.. بين حماية المذاهب وتعزيز الانقسام الطائفي
تطرح الأزمات التي شهدتها سوريا حالة غير مسبوقة في دور وزارة الأوقاف السورية في تشكيل الهوية الدينية للبلاد، حيث اتخذت مواقف وسياسات تساعد في تهيئة بيئة تعيد رسم العلاقات الاجتماعية بشكل مختلف تؤثر على النسيج الاجتماعي السوري، من خلال تصريحاتها، مثل تأكيد وزير الأوقاف على أن “المذاهب الأربعة مذاهب بلده” ونيتها تجريم الإساءة إليها، تُظهر الوزارة توجها نحو تعزيز نمط ديني محدد، ما يثير تساؤلات حول مدى شمولية هذه السياسات واحترامها للتنوع الديني في سوريا.
تأتي هذه السياسات في سياق معقد أثر بوضوح على السلم الأهلي ودفع بقوة خطاب التحريض الطائفي، فمنذ أحداث مجزرة الساحل بات أن الوحدة الوطنية لم تعد تملك ركائز في ظل غياب بيئة سياسية تجعل التنافس السياسي قائم على البرامج الوطنية الجامعة.
- تصريحات وزير الأوقاف وتداعياتها
لا تبدو المسألة في تصريح وزير الأوقاف السوري، لدكتور محمد أبو الخير شكري، حول المذاهب مسألة عابرة، فهوجاء بعد حالة من التأجيج الطائفي وقدم بشكل رسمي ولأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر هوية دينية خاصة للبلاد عبر تحديده للمذاهب، ورغم أن حديث الوزير يُفهم منه كخطوة لحماية التنوع الفقهي في سوريا، إلا أنه أثار انتقادات واسعة من ناشطين ومراقبين، الذين رأوا فيه تجاهلاً للمكونات الدينية الأخرى في البلاد، مثل الطوائف المسيحية والعلوية والدرزية والإسماعيلية.
- حملة “بيت الله منزلنا” وترميم المساجد
في فبراير 2025، أعلنت وزارة الأوقاف عن إطلاق حملة “بيت الله منزلنا” لصيانة وتنظيف المساجد استعداداً لشهر رمضان، ورغم أن هذه الحملة تبدو في ظاهرها دينية بحتة، إلا أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن اختيار المساجد التي شملتها الحملة تم بناءً على اعتبارات سياسية وطائفية، حيث تم التركيز على مناطق معينة دون غيرها، مما أثار تساؤلات حول نوايا الوزارة.
التحريض الطائفي وخطب الجمعة
في مارس وأبريل 2025، تم تداول مقاطع فيديو لخطب بعض الأئمة والخطباء الذين عُيّنوا حديثاً من قبل الوزارة، واحتوت على تصريحات اعتُبرت تحريضية وطائفية، ورغم الدعوات المتكررة من المجتمع المدني لإقالة هؤلاء الخطباء ومحاسبتهم، لم تصدر الوزارة أي إجراءات واضحة في هذا الصدد، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليها.
تقييم عام وتأثير السياسات على النسيج الاجتماعي
رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية واحترام جميع المعتقدات، إلا أن سياسات وزارة الأوقاف السورية في الأشهر الأخيرة تعكس توجهاً يُفهم على أنه تعزيز لهيمنة مذهب معين على حساب التنوع الديني في البلاد، وهذا التوجه، إذا استمر، سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتوترات الطائفية، ما يتطلب مراجعة شاملة لسياسات الوزارة لضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع مكونات المجتمع السوري.
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحاً: هل وزارة الأوقاف تملك اليوم وظائف لرسم السياسات العامة في سورية، وهل يمكن في ظل غياب المنظمات السياسية والمدنية إعادة بناء الثقة مع جميع مكونات الشعب السوري؟ إن مثل هذه الأسئلة لا ترتبط فقط بوزارة الأوقاف بل بطبيعة الدولة حاليا والتأثيرات الفكرية التي جعلتها ضمن نسيج تراثي لا علاقة له بأشكال الدولة المعاصرة.