تكشف مسألة خطف النساء في سوريا عن طبيعة التأثير الذي حملته أشكال التطرف، فالنساء المختطفات لسن أحد أكثر المكونات هشاشة في المجتمع، بل رمز للعودة إلى مفاهيم وافدة على سوريا نتيجة ظاهرة “الجهاد” التي تسيطر على الكثير من الفصائل التي أصبحت أمرا واقعا، فالخطف يدخل ضمن “الغنيمة” و”السبية”، وهو يعود بنا إلى مأساة “الأزيديات” ولكن تحت غطاء من الصمت.
محافظات الساحل السوري (اللاذقية، طرطوس) إلى جانب مدينة حمص كان لها النصيب الأوفر من عمليات الخطف، في وقت أصبحت المسائلة والتحقيق في هذا الشأن حالة عائمة رغم أن عمليات الاختطاف تتم بمعظمها في وضح النهار وتوثق في بعض الأحيان عبر كاميرات المراقبة.
تطرح هذه الظاهرة أسئلة عميقة لا تتعلق فقط بمسؤولية الدولة في فرض الأمن، بل تتعداها لتلامس التحولات الاجتماعية التي ستظهر يتحول الخوف من الخارج إلى كوابيس داخلية تمس صميم الأسرة والمجتمع.
مشهد الخطف: بين المجهول والصمت
تظهر التحقيقات الميدانية والتقارير الصحفية أن عمليات الخطف لا تتبع نمطا عشوائيا فحسب، بل تتقاطع فيها عناصر الجريمة المنظمة مع إفلات الجناة من العقاب، وفي معظم الحالات، تُختطف النساء من الشوارع أو على أبواب منازلهن، ويتم استخدام سيارات مغلقة بدون لوحات، وفي عدد من الحالات، تلقت العائلات اتصالات من أرقام غير سورية تهددها بالصمت.
المقلق في الظاهرة ليس فقط عدد الضحايا، بل غياب أي رواية رسمية موحدة، ما يدفع بالمجتمع إلى التكهن بوجود تواطؤ، أو على الأقل تراخٍ أمني، وهذا الانطباع يتفاقم مع تكرار الحالات في مناطق تخضع لسيطرة أمنية مشددة مثل الساحل السوري.
بيانات ووقائع: رسم توضيحي لتوزيع عمليات الخطف
بحسب تتبع ميداني لوسائل إعلام محلية وشهادات عائلات، يُقدَّر أن عدد عمليات الخطف المسجلة في الفترة ما بين كانون الثاني وأيار 2025 بلغ ما لا يقل عن 87 حالة مؤكدة. تتوزع الحالات بشكل رئيسي على النحو الآتي:
- اللاذقية: 22 حالة
- طرطوس: 18 حالة
- حمص: 15 حالة
- حماة: 10 حالات
- إدلب: 5 حالات (مشكوك في مصدرها)

الأسرة في قلب العاصفة
لا يمكن النظر إلى عمليات خطف النساء على أنها مجرد أحداث أمنية، فكل عملية اختطاف تنسف منظومة الثقة داخل العائلة والمجتمع المحلي، في كثير من المناطق المتأثرة، بدأت العائلات بفرض قيود مشددة على حركة بناتها، مثل منعهن من الذهاب إلى المدارس أو أماكن العمل دون مرافقين.
وتشير منظمات حقوقية سورية إلى أن بعض العائلات ترفض حتى الإبلاغ عن فقدان بناتها خشية الوصمة الاجتماعية أو الانتقام، في السياق ذاته، وبدأت تظهر حالات من الانهيار النفسي والاكتئاب بين قريبات المخطوفات، وسط غياب أي دعم حكومي نفسي أو قانوني.

الطائفية والتمييز الطبقي: هل تُختطف العلويات عمدا؟
تثير هوية بعض الضحايا أسئلة حساسة: كثير منهن من طائفة محددة، هذه الحقيقة تعقد المشهد، ويؤشر إلى وجود دوافع متعلقة بـ”الاستباحة” من وجهة نظر دينية، كما أنها تطرح مخاوف من تحول هذا الأمر إلى ظاهرة عامة داخل الثقافة في النظر إلى النساء عموما وإلى التنوع الديني والطائفي في سوريا.
وحسب بعض التقارير الإعلامية فإن بعض الفتيات المختطفات تم بيعهن أو نقلهن إلى مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة، مما يشير إلى احتمال وجود شبكات منظمة إجراميا عابرة للحدود.
ضعف القانون وغياب المساءلة
يعكس فشل السلطات في ضبط هذه الظاهرة هشاشة المنظومة القانونية، فعلى الرغم من تقدم بعض العائلات ببلاغات رسمية، إلا أن أياً من القضايا لم ينظر إليها بشكل واضح وسط صمت رسمي، وتجاهل لهذا الموضوع وكأنه يحدث خارج حدود أو صلاحيات الدولة.
وفي أكثر من حالة، اتُهم أفراد من الأجهزة الأمنية أو ميليشيات محلية بالتغاضي عن نشاطات مشبوهة أو حتى التواطؤ مع الخاطفين، خاصة حين تكون هناك مصالح مالية أو سياسية كامنة خلف تلك العمليات.
بين الأمن الاجتماعي وضرورة الإصلاح
يتجاوز خطر ظاهرة خطف النساء الجانب الأمني؛ فهو يهدد نسيج المجتمع السوري الذي يعاني أصلًا من تمزق بعد سنوات الحرب، فالثقة بين المواطنين والسلطة، وبين الآباء وبناتهم، وحتى بين الجيران، بدأت تتآكل بشكل غير مسبوق، إذا استمرت هذه الظاهرة دون معالجة جذرية، فإن سوريا قد تواجه أزمة مجتمعية صامتة، حيث يغدو الأمن الشخصي سلعة مفقودة، وتصبح النساء رهائن الخوف والتهديدات اليومية.
ظاهرة اختطاف النساء في الساحل وحمص ليست مجرد عرض أمني، بل هي مؤشر خطير على تحلل العقد الاجتماعي في بلد أنهكته الحرب والانقسامات، والمجتمع السوري، الذي صمد لعقود أمام صراعات كبرى، يبدو اليوم هشا أمام تهديد داخلي صامت اسمه: “الخطف”.
وفي غياب استراتيجية وطنية واضحة لردع الجريمة، وتعويض الضحايا، ودعم الأسر المتضررة، تبقى النساء المخفيات في الظل، فيما تتجاهل الدولة هذا الخطر، ويتكلم المجتمع همسا.
دولة الخلافة وداعش ماذا تنتظر منها