لغة الجسد لا تكذب: خفايا تحالف الشرع – بن سلمان – ترامب

رغم أن اللقاء الذي جمع أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لسوريا، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُنشر عنه أي تسجيل مرئي أو بيان تفصيلي، فإن مجموعة صور مقتضبة للقاء ثلاثي ضم أيضا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كشفت أكثر مما أخفته.
غياب الفيديو لا يعني غياب المعلومات، فالمشاهد الثابتة، حين تُقرأ بعيون مدرّبة، تعطي فكرة شبه كاملة عن المزاج السياسي، وتراتبية القوة، وحدود الأدوار بين أطراف اللقاء.

وسط هذا الصمت العلني، تحولت الإيماءات والتفاعلات العابرة، وطرق الجلوس والوقوف إلى المفاتيح الوحيدة لفهم طبيعة العلاقة الناشئة بين اللاعبين الثلاثة، فاللقاء لم يُعلن رسميا عن بتفاصيله، لكن صورته تروي ما لم تقله البيانات.

المصافحة: حين تُبنى التحالفات على القبضات

المصافحة التي بدأت بها الكاميرات سجلت ما يشبه اللحظة التأسيسية، فأحمد الشرع يمد يده اليمنى بثقة، لكن محمد بن سلمان لا يكتفي بذلك بل يضع يده اليسرى على معصم الشرع في حركة ليست عفوية بل محمّلة بالرسائل: “أنا الداعم، وأنا الضامن.”
هذا النوع من المصافحة يُستخدم غالبا لإيصال شعور بالاحتواء، لكنه يُشير ضمنيا إلى علاقة غير متكافئة، فولي العهد يضع نفسه موضع “المتبنّي” السياسي.

انحناءة طفيفة من كلا الطرفين للأمام، مع تماس بصري مستقر، يضيفان إلى المشهد بعدا إنسانيا لكن ضمن حدود محسوبة… إنها لحظة تفاهم مؤقت، مشحونة بالرمزية أكثر من الصراحة.

ترامب: المراقب القلق

خلف المصافحة، يقف دونالد ترامب كظل ثقيل فلا يتدخل ولا يضحك ولا يعلّق، ذراعاه متراخيتان، ووجهه يعبّر عن حياد متوتر لكنه مستغرب؛ فهو من قام برفع العقوبات، والانقباضة الطفيفة في شفتيه قبل وبعد المصافحة تقول الكثير، فترامب لا يبدو مقتنعا كليا، لكنه لا يعارض، فهو بحسب الخطوة القادمة، والمسافة التي حافظ عليها، والتي لم تقلّ عن نصف متر، توحي أنه يرى نفسه كمراقب لا كرفيق درب.

طاولة واحدة، ثلاث عوالم

حين انتقل الثلاثي إلى النقاش، انقلبت ديناميات الصورة إلى ما يشبه خريطة سلطة مرئية، فأحمد الشرع جلس في وضع يوحي بالاستعداد للتلقي وجسده مائل للأمام، وقدماه متراجعتان، وعيناه تبحثان عن الإشارات، فهو في موقع الطالب، لا الشريك.
بالمقابل، بدا محمد بن سلمان مرتاحا، جسده منفتح، يداه مستعدتان للحركة، وهذه الوضعية غالبا ما يستخدمها من يشعر بسيطرة تامة على الوضع ويملك زمام المبادرة.

أما ترامب، فمزج بين الثبات والانسحاب، فقدماه ثابتتان لكن رأسه تميل نحو الأسفل بين لحظة وأخرى، مع إغلاق مؤقت للعينين، هي لحظات تأمل، أو ربما تردد في الانخراط الكلي، ولا يبدو متحمسا، لكنه يراقب بدقة.

التوتر والسيطرة والملل

تعابير الوجه وحركات الجسد تكشف الكثير مما يُحجب بالكلام، فالشرع بدا عليه توتر خفي عبر اهتزاز خفيف في الكتف، وتحرّك عينيه بشكل متكرر. هذا ليس فقط توتر البداية، بل ثقل المسؤولية أمام من يملكون مفاتيح الدعم.
في المقابل، كان محمد بن سلمان على النقيض تماما: كتفان مسترخيان وابتسامة خفيفة، وسلوك يوحي بأنه هو من يتحكم بإيقاع الحوار.

أما ترامب، فكان يتأرجح… تارة يبدو حاضرا بجسده وحازما، وتارة تنعكس عليه علامات ملل أو إرهاق، وما تكشفه الصور ليس مجرد انطباعات، بل خارطة واضحة لديناميات التحالف.

  • الشرع يبدو كمن يدخل النادي السياسي ببطاقة توصية، لا بقوة ذاتية.
  • بن سلمان يتصرف كراعٍ وضامن، لا كشريك فقط، يمسك بالخيوط، ويدير التوازن.
  • ترامب يشغل موقع “المراقب الثقيل”، الذي يمكنه قلب الطاولة لكنه يفضل التريث.

هذه الثلاثية تُنتج ما يمكن وصفه بـ”التحالف الهجين”: طرفٌ يبحث عن الاعتراف، وآخر يمنحه بشروط، وثالث يزن المكاسب قبل أن يلتزم بالكامل.

وسط التصريحات الرسمية والابتسامات أمام الكاميرات، تظل لغة الجسد هي المعبر الصادق ما بين مصافحة تُوحِي بالوصاية، وجلوس يُعبّر عن قيادة صامتة، ونظرات فيها الكثير من الحسابات، تتشكل ملامح تحالف لا يقوم على الود، بل على المصالح، وعلى ميزان قوى غير متكافئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *