سوريا وسويفت: عبور العقبات قبل استعادة الاندماج المالي

كشفت محادثات سرية جمعت وزير خارجية سوريا بمسؤولين أميركيين في أبريل 2025 عن أولى خطوات تخفيف العقوبات المُفروضة على دمشق، مُعلنة نهاية محتملة لسنوات من العزلة المالية، لكن هذه الخطوة التي تعيد سوريا إلى شبكة “سويفت” العالمية ليست سوى “قطرة ماء في بحر من التحديات”، فرغم إعلان سويسرا رفع بعض العقوبات عن قطاعات مالية في مارس الماضي، تبقى البنية التحتية المصرفية السورية في حالةٍ كارثية: احتياطيات ضعيفة، ونظام مالي يعاني من غياب الشفافية، وآلياتٍ ضعيفة لمكافحة غسل الأموال.

رفع العقوبات السياسي لا يكفي للالتحاق بسويفت

شبكة “سويفت” ليست آلية سياسية بقدر ما هي بنية تحتية مالية خاصة، تديرها جمعية تعاونية تخضع لأعلى معايير الامتثال والحوكمة بموجب القانون البلجيكي، ويُشترط للانضمام إليها استيفاء ضوابط تقنية وتنظيمية صارمة لا تقف عند حد رفع العقوبات الحكومية.

تضع مجموعة العمل المالي (FATF) دولَ العالم تحت مراقبةٍ لعدة مستويات وفق التقدم في تنفيذ معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وظلّت سوريا مدرجة في قائمة المراقبة منذ 2020، وإن أُشير مؤخرا إلى إتمامها خطة العمل المتفق عليها، فإن غياب الزيارة الميدانية للتحقق من الإصلاحات يعيق تخريجها من القائمة (العراقيل الأمنية حالت دون الزيارة).

ولكي تصبح مؤسسة مصرفية سورية مستخدما معتمدا في شبكة “سويفت”، يجب تقديم طلب رسمي واستيفاء متطلبات تشمل الملاءة المالية، ووجود أنظمة تشغيل بنكية متطورة (Core Banking Systems)، وضمان التكامل التقني مع بروتوكولات سويفت وشبكات الاتصالات الآمنة.

الشفافية ومكافحة غسل الأموال

توفر “سويفت” أدوات امتثال مالي شاملة تشمل فحص العقوبات واختبارات الامتثال؛ غير أنّ توظيف هذه الأدوات يستلزم قدرة محلية على رصد تدفقات الأموال وفحص هوية المستفيدين النهائيين، وهو ما يفتقده النظام السوري اليوم، وبالنسبة لسوريا تشير تقديرات صندوق النقد الدولي قبل الحرب إلى احتياطي بنحو 18.5 مليار دولار، لكنه تراجع إلى نحو 200 مليون دولار نقدا، إضافةً إلى 26 طنا من الذهب (بقيمة 2.6 مليار دولار) فقط، كما يعاني المصرف من قصور في القدرة على تتبع الحوالات العابرة للحدود، فممكنات الرصد التي يملكها سواء البشرية أو التقنية لا تؤهله للامتثال لمعايير تتبع الأموال واستقصاء جذورها.

تعدد الأطر المصرفية وغياب قاعدة بيانات موحدة

تتشظى السوق المالية السورية بين مصارف حكومية تفتقر للتحديث الفني والإداري، ومصارف خاصة صغيرة، ومصارف إسلامية تعمل بأنظمة تشغيل خاصة بها، إضافة لمكاتب صرافة تُغرق السوق بتعاملاتها خارج الإطار الرسمي، وهذا التعدد يولّد فراغا مؤسساتيا؛ فلا سجل مالي وطني موحد، ولا بنية تحتية تُمكّن من ربط المعاملات داخليا أو خارجيا بشبكات عالمية.

نحو برنامج إصلاح داخلي قبل الاستجداء السياسي

قدم الخبراء من البنك الدولي وصندوق النقد دعوة لدعم جهود الحكومة السورية في بناء مؤسسات شفافة وقوية، تشمل:

  1. إعادة هيكلة البنك المركزي من الداخل، مع تعزيز احتياطياته ومهاراته البشرية.
  2. توحيد أنظمة التشغيل البنكي عبر اختيار منصّات مصرفية حديثة قابلة للتكامل (Core Banking)  وتحفيز القطاعين العام والخاص على تبنيها.
  3. إنشاء هيئة رقابية مصرفية مستقلة، تتولى مراقبة الالتزام بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
  4. برامج تدريبية للكادر المهني مرتبط بالحوكمة المصرفية.

إن اعتبار العودة إلى “سويفت” هدفا سياديا بحتا يقفز فوق جوهر الأزمة التي تتجلى بافتقاد كفاءة وقدرة مؤسسية، فالانخراط الفعلي في شبكة الاتصالات المالية العالمية هو شهادة امتثال وشفافية وملاءة، لا تُمنح إلا لمن يثبت جدارة تقنية وقانونية مؤسساتية، والمطلب الحقيقي لا يتمثل في رفع العقوبات فحسب، بل في إطلاق مسار إصلاحي داخلي جذري يمكن النظام المصرفي السوري من اكتساب هذه الشهادة.

1 فكرة عن “سوريا وسويفت: عبور العقبات قبل استعادة الاندماج المالي”

  1. عقيل هنانو

    إذا أردت ان تطاع فاطلب المستطاع سيدي الكريم ما يدعى الجولاني لا يفقه بسياسة وليس هدفه تحسين وضع… هو هناك تمريراً للوقت… إلى ان يناسب الوقت سيده الصهيوني الاميركي فيتم استبداله بجولاتي لم يحارب ليمرر دستور طائفي يلحق الوطن وشعبه بركب العراق وليبيا ولبنان وفلسطين والسودان… فتتحول حالة الحرب التي يفترض انها انتهت بنتائجها إلى حالة دائمة من قتل واغتيال وفساد خرافي ومضيعة أموال…لا توجد دولة صفر الإنتاج لا تملك سيادة على زرعها ونفطها ومائها قادرة ان تقوم بإصلاح نظام مالي سيعيش على ديون ويركض ليدفع فوائدها…حتى في قضية الفساد قد تم تحيدها بعودة حيتان المال من العهد السابق ليكونوا مرة أخرى عنوان للذكرى عما كان وما هو الان…مضحك حين يقول قائل لقد تغير الحكم وتحررنا والذي تغير هو الاسم والحرية تلك وسعت دائرة المحتل وزادته ألواناً بأعلام ترمز لدول ما كان لها وجود على ارضنا….هي ثورة تقاوم المحتل المتعدد الجنسيات ورموزه الجولانية طريق الشفاء الوحيد ودون ذلك هو الضياع….تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *